عسكرة الاقتصاد والحل في اليمن

 

✍️  أ د  – شريفة المقطري

 

أصبح سؤاسلنا الشاغل اليوم بعد مرور 6 سنوات حرب وتسويات سياسية : اليمن إلى أين؟ نحلم بالحلول وننظر لها ونجتهد.

يتضح أن الصراع اليمني يعتبر الأعقد عربيا في ظل الصراعات الثلاث الأشد ، الصراع السوري والليبي واليمني. فالنظام السوري أكثر استقرارا لسيطرته على كافة المناطق المضطربة عدى إدلب في ظل تعقيدات أزمته يظل أقل تعقيداً، وكذلك الأطراف الليبية تظهر هنالك تفاهمات في مواجهة التدخلات الخارجية للتعاطي مع المليشيات الارهابية.

المفارقة بالصراع اليمني والذي لا يدركه البعض، أن التدخلات الخارجية سواء الإيرانية أو العربية المبررة عبر التحالف هي الأقل مقارنة بمايحدث تجاه سوريا وليبيا حتى على المستوى الدولي والذي يضع اليمن في هامش اهتماماته مقارنة بهما.

بما يعني أن الصراع المحتدم باليمن هو صراع داخلي (متجمد بلا نتائج) !! كيف؟

لا حكومة الشرعية تمكنت من حسم القضاء على المليشيات الحوثية الارهابية واستعادة الدولة.

ولا المليشيا الحوثية الارهابية تمكنت من توسيع هيمنة حكومتها الانقلابية والاعتراف الشرعي لها.

وانقسم التحالف بين سياسة الامارات الداعمة للمجلس الانتقالي المسيطر فعليا على الجنوب, والسعودية الداعمة لشرعية هادي الدولية التي كانت مجمعة عليها في مرجعياتها الثلالث وقرار 2216 ، والتي تآكلت بعد مرور سنوات الحرب لتطالعنا بفرض واقع شرعي ودستوري مغاير لما تم التوافق عليه في مخرجات الحوار الوطني لشكل الدولة الاتحادية.

حيث بات واضحاً ميل المجتمع الدولي ممثلا بالموقف البريطاني والأمريكي اليوم لدعم انقلاب الحوثي برفضه لقرار اعتباره مليشيا ارهابية وبوادر محاولات التسوية تحت تحفظ شديد غير واضح لاعبيه نحو فرض مشروع الإقليمين باليمن. في الوقت الذي كنا نمتلك فيه إطار دستوري متقدم مقارنة بالوضع في سوريا وليبيبا، اليوم نتجه إلى مصير ضبابي أصابنا جميعاً بالتبلد.

إن مسارات الحل باليمن التي قدمتها الأطراف اتخذت شكلين فقط للآن:

المسار الأول: التسويات السياسية للسلام
لقد فشلت جميع مسارات الحل السلمي الأممي باليمن، أرسلت الأمم المتحدة من أجل وقف اطلاق النار وتحقيق السلام عبر التسوية السياسية أربعة مبعوثين، جمال بن عمر 2011-2015، اسماعيل ولد الشيخ احمد 2015-2018، مارتين غريفيث 2018-2021، تيموثي ليندر كنج هذا العام. ورعت جولات السلام في جنيف، وبيل، ثم الكويت، وستوكهولم وشهد النزاع جهودا اقليمية ودولية من ضمنها مساعي جون كيري وجميعها لم تنجح.

المسار الثاني: الحرب
الحرب اليمنية خلال 6 سنوات تعتبر حرب استنزاف لم ولن تقدم حسما يذكر للقضية الوطنية، بل استغلت لفتح اقتصاد حرب محلية لتعزيز نفوذ المنقلبين عززت من سطوتهم اليوم أكثر فأكثر، ومكنت بيئتها من تفريخ الكثير من المشاريع السياسية الطارئة التي تخدم المطامع الإقليمية الجيوسياسية.

التحالف بقيادة السعودية لم يأتي للحسم، فبعد عامين من انطلاقه يصرح اللواء احمد عسيري قائد قوات التحالف في برنامج مع تركي الدخيل يناقش طول فترة الحرب باليمن والحسم العسكري:” الحديث عن نصر عسكري هو عدم فهم لواقع العملية باليمن، حيث أن هنالك قوات تحالف تساعد الحكومة الشرعية، ولذا فإن البحث عن نصر أمر غير موجود. مضيفا نحن نبحث عن تحقيق ثلاثة أهداف: الحفاظ على الشرعية اليمنية، تقليل الأخطار على اليمنيين، وحماية الحدود السعودية.” انتهى الاقتباس.

هذا مايفسرلنا عدم الحسم لليوم، انتقل تكتيك التحالف من عاصفة الحزم إلى دفاع الأمل من عام 2017، بمعنى أن التحالف دوره حماية الشرعية لا أكثر ينقلها من عدن للرياض والعكس ليحمي وجودها وبالتالي حدوده. ولن تكون هنالك أي عمليات نوعية للتحرير واستعادة الدولة بجانب الشرعية بالأساس بدليل وقف أي تقدم للجيش الوطني مراراً أو قصف أهداف محددة دفاعية. وأعتقد أنه محاولة منها لمواجهة احراجها الدولي أمام ضغوط منظمات المجتمع الدولي التي تقيدها بدور محدد باليمن مقابل حماية حدودها. ولذا فإن استمرارالحرب لن يفضي إلا إلى تحقيق تقارب أهداف سعودية إماراتية حوثية إيرانية طالت الحرب أو قصرت باسناد التحالف السعودي الإماراتي. إلا إن استخدمت الحكومة تكتيكاً مختلف باستغلال نفوذ شرعيتها، كيف؟

عسكرة الاقتصاد لمواجهة الحرب:
لم تعد القوة اليوم سبيلا عمليا لوقف الحروب، هذا ما فطنت له سوريا وهي الأقرب لحالنا اليوم والتي اعتمدت على اقتصاد الحرب وعسكرته وحتى منذ قبل الأزمة السورية والتي مكنتها من التعايش مع الأزمة وتجنب الانهيار المفاجئ وهذا ماتفاخر به نائب رئيس الحكومة السوري أمام الإعلام.

عملت الحكومة السورية على إصدار قرارات عديدة بدأت بخفض الموازنة العامة، واتجهت الى توفير اقتصاد النفقات منها خفض استخدام السيارات الحكومية وتقليص حصتها الشهرية من الوقود. وصولا إلى حملات إعلامية لترشيد الطاقة حتى استخدام الورق فرض من الجانبين. عمل البنك المركزي السوري إلى تقليص تمويل المستوردات وطلب التجار لتمويل مستورداتهم بأنفسهم. واعتماد تكتيك ” دبر راسك” واعتمدت على فتح خطوط مع ايران ودول البريكس.
كما أصدرت وزارة الاقتصاد السورية تعليمات تدعو إلى تمويل مستوردات التجار من الأموال السورية المجمدة بالخارج تاركة التجار والمصارف للبحث عن آلية لاستعادة هذه الاموال. وعلى الصعيد الداخلي قايضت بحرب تسويات إقتصادية مع المعارضة بما يحقق استمرارها. وهكذا تمكنت من تأمين استمرار العائد لإدارة الدولة وإدارة الحرب. (مصدر)

أما باليمن قد تكون هذه الاحترازات والاجراءات سابقة لحال الحكومة الشرعية اليوم الأشد تأزماً، لكننا نجد أن المليشيات الحوثية الارهابية تستخدم نفس تكتيك اقتصاد الحرب للحفاظ على بقاءها باستغلال الجبايات تحت مسمى ” المجهود الحربي” وهذا مايبرر ذرائع تشريع بند الركاز والزكاة الذي يستغل لذلك بحجج لا تمت للدين وللقوانين بصلة.

معهد Berghof Research Centre حدد خصائص اقتصاد الحرب وخاصة بالحروب الأهلية بين الحكومة والمتمردين كطرفي نزاع بأنها تتسم بالتحايل على الإقتصاد النظامي، ونمو الأسواق الغير نظامية والسوداء, منها السلب والإبتزاز والعنف المتعمد ضد المدنيين لاكتساب الأصول المربحة والإعتماد على التهريب.

قامت المليشيا الحوثية الارهابية لتعزيز استمرارها بفرض التالي:
1. استحداث (لائحة تنفيذية لقانون الزكاة) وضعت امتيازات عنصرية حصرية للهاشميين من ايرادات الدولة.
2. 20% للهاشميين من الركاز وثروات المعادن واموال اليمنيين.
3. 20% من الثروات السيادية للنفط والغاز, 25% من مصارف الزكاة لبند (في سبيل الله)اي لتمويل انشطة الجماعة كمجهود حربي.
4. الاستيلاء على موارد الدولة والتجار ورواتب موظفي الدولة.
5. قبول اتفاق ستكهولم للتسوية مقابل ميناء الحديدة.

اكتفت الشرعية باتخاذ مواقف البيانات والشجب التي لا قيمة لها عبر وزارة حقوق الانسان وهيئة علماء اليمن والتغريدات لرئيس الوزراء وبعض وزراء حكومته.

يحتم علينا إيجاد بدائل للقوة باليمن تضعها الحكومة لاستعادة الدولة ، والسياسات الاقتصادية للحرب هي البديل الأكثر معقولية لايجاد مخزون احتياطي أولا للعبور والانتقال خلال الحرب اليمنية تحميها حتى من خذلان حلفاءها لتغيير الوضع باليمن وقلب المعادلة. وللأسف تطالعنا على الدوام نتائج التقارير للخبراء لمنظومة فساد حكومي للشرعية آخرها فضيحة غسيل الأموال وفساد البنك المركزي.

ختاما، لن نتمكن من تحقيق أي نتيجة وطنية في ظل حكومة لا تحسن إدارة الأزمة ، وجب عليها أن تلبس خوذة عسكرة اقتصاد الحرب بإرادة صلبة وتخطيط عالي ، ثلاث مهام أساسية لتنتصر بهذه الحرب هي:
1. خنق اقتصاد الحوثي الخارجي باستغلال شرعيتها اليوم.
2. تعبئة شعبها للتمرد على جباية اقتصاد الحرب المحلية للحوثيين عبر فتح خطوط امداد ادارة أزمة مع معارضيها واشراك حلفاء جدد وتوفير احتياط اقتصادي من المناطق المحررة لمواجهة المليشيا بالحرب.
3. فرض آلية صارمة لإدارة الأزمة اليمنية عليها أولا ومن ثم رؤوس الأموال اليمنية المهاجرة.

هذا هو مفتاح الحل لنتمكن من مواجهة الأزمة أولا ومن ثم الدخول كلاعب قوي يفرض نفسه على حلفائه وعلى معارضيه معاً. أما انتظار ثورة شعبية فهذا محال طالما والقضية الوطنية طمست معالمها واختلف على هويتها ويستحيل أن يتفق اليمنيين على قائد في ظل التناحرات الأيدلوجية السياسية والدينية والطائفية.

على الحكومة الشرعية أن تقاوم أزمتها محليا وخارجيا أو تتنحى بانتخابات مبكرة ترعاها قوة حفظ سلام دولية قبل أن تتحمل تاريخيا مسؤولية طمس الهوية اليمنية من خريطة شبه الجزيرة العربية.

صفحة فيسبوك الكاتبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى