طباخة أمريكا لليمن فاسخة وفاشلة

 

✍️ (عبدالقادر الجنيد)
***
١

اللاعب النشط رقم ١ في اليمن هذه الأيام، هو أمريكا.

نعم هناك الإيرانيون والحوثيون.
وهناك السعودية والمجلس الرئاسي اليمني.

ولكنهم كلهم في وضع المتلقي لمكونات وبهارات وصفة الطبخة الأمريكية وحركات الشيف الأمريكي ليندركنج الذي يكثر من الحركة حول فرن المطبخ ويريد أن يكون متخفيا خلف مبعوث الأمم المتحدة جروندبيرج وسلطنة عُمان.

والروائح التي تخرج من المطبخ تتغير من يوم إلى يوم.

الطباخ الأمريكي، يعتقد أن طباخته لليمن ضرورية وأنه يمكن الارتجال وتغيير البهارات والمسلمات الثابتة بغض النظر عن أذواق المطبوخين أو عموم الناس.

الطباخ الأمريكي، يظن أن المطبوخين- الدول القوية (إيران) والغنية (السعودية) والجماعات المسلحة (الحوثيون) والمجلس الرئاسي اليمني (الشرعية) والنخب المحلية المتصارعة (الأحزاب والوجاهات) وشعوب المنطقة (الضحايا)- مجرد أوعية يضع داخلها ما يشاء من البهارات سواء كانت من الوصفة الأصلية التي ابتدأ بها أو بهارات جديدة لم تكن على الخاطر أو على البال يفاجئ بها المطبوخين.

موضوع اليوم، هو محاولة فهم الطباخ الأمريكي والأطراف الذين تحاول أمريكا أن تطبخهم في وعاء واحد في اليمن.

**
أولا: فهم أمريكا
**

١- أمريكا، مصممة على عدم السماح لروسيا بالتمدد إلى أوكرانيا مهما كانت المخاطر والغرامات.

٢- أمريكا، مصممة على عدم السماح للصين بالتمدد إلى تايوان أو التفوق اقتصاديا، مهما كانت المخاطر والغرامات.

٣- أمريكا، تكره نظام الملالي في إيران والتمدد الإيراني في المنطقة ولكنها غير مستعدة لتحمل أي مخاطر أو غرامات إلا إذا تأذت اسرائيل.
ولا تريد أمريكا أي اشتعال في المنطقة يشتتها عن التفرغ لروسيا والصين.

٤- أمريكا، تفهم أن هناك:
أ- أسباب تاريخية محلية لحرب اليمن:
عصبيات الطوائف والمناطق والقبائل.

ب- أسباب حديثة محلية لحرب اليمن:
فشل الحوكمة وفشل بناء الدولة وفشل التنمية.

ج- أسباب إقليمية لحرب اليمن:
الصراع الإيراني السعودي.

ولكن أمريكا التي تفهم وتتفهم كل عوامل صراعها مع روسيا ومع الصين والتي تفهم كل عوامل الصراع والحرب في اليمن، قد قررت ألا تتفهم ضرورة التصدي للتمدد الإيراني والميليشيات الإيرانية الطائفية التي تشمل الحوثيين في اليمن.

٥- الطباخ يرتجل ويغير الوصفة والبهارات
*
ليندركنج، يريد فقط ألا تكون هناك حروبا إلا تلك التي تريدها أمريكا.
أمريكا، لا تريد حربا في اليمن.
لا يهم أمريكا من هو صاحب الحق ولا من هو الظالم ولا من هو المظلوم ولا لأي اعتبارات خاصة بمصالح الضعفاء ولا غيرها من اعتبارات العنصرية والقيم والأخلاق في اليمن، بينما قد قررت واشنطن أن تحشد كل قوتها العسكرية والمالية والمادية والاقتصادية ضد روسيا والصين تحت نفس الإدعاءات والاعتبارات والرايات التي تنكرها على اليمن وعلى اليمنيين.

وهنا يمكن استيعاب كل حركات الطباخ الأمريكي ليندركنج وهو يحاول وضع كل الأطراف (إيران والحوثيين والسعودية والمجلس الرئاسي اليمني) في وعاء واحد على شعلة الموقد وإضافة بهارات لا يستعملها أهل المنطقة ولا يستسيغونها وسط دهشتنا كلنا.

ويزيد ليندركنج من لغوصة الطبخة عندما يستجيب لصياح أحد عناصر الطبخة الذي يعتقد أنه الأقوى (الحوثيون) فيتخلص من بعض المرق ويزيد الماء على الطحين لصالح الحوثي.
بينما في نفس الوقت، لا يكترث ليندركنج لاحتجاجات من يعتقد أنه الطرف الأضعف (المجلس الرئاسي) والذي معه حق غاية في الوضوح في الكثير من المسائل مثل حصار تعز ومأساتها الإنسانية والعدوان الحوثي المستمر عليها.

أمريكا، تريد أن تضع إيران والسعودية والحوثيين والمجلس الرئاسي اليمني داخل تنجرة ألمونيوم أو حلَّة ضغط أو قدر فخار وتضيف بهارات ليندركنج المتغيرة وتشعل تحتهم نارا خافتة بينما يتقفز الشيف من مكان إلى مكان ويقول بأن هذا سيحقق السلام الشامل في اليمن.

وطبعا يعرف ليندركنج، أن كل الأطراف الذين في عناصر الطبخة- وبدون استثناء- لا يثقون بأمريكا ولا بقدراتها ولا بوعودها بعد كل تجاربهم مع سياسات واشنطن المتقلبة.
وبعض الأطراف داخل الطبخة (إيران والحوثي) يعتبرون أمريكا عدوا سافرا لدودا.
وهذا ربما أغرب ما في الطبخة، وهي أن أمريكا تساعد من يعتبر نفسه عدوا لها ومن تعتبره هي نفسها عدوا لها ولأصدقائها.

وعلى هذا ستفشل طبخة ليندركنج.

**
ثانيا: فهم إيران
**

١- إيران، معها أهداف لن تتخلى عنها أبدا وعلى رأسها أن تكون القوة الإقليمية المسيطرة على دول الخليج بما فيها السعودية والعراق وعلى كل شبه الجزيرة العربية بما فيها اليمن وعلى الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر حزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد في سوريا.

٢- إيران، لا تتحمل كل هذا الحصار الاقتصادي الأمريكي وتدهور عملتها النقدية لمجرد العناد والمكابرة ولكن لتحقيق أهدافها بأن تصبح قوة إقليمية كبرى.

٣- إيران، لن تتخلى عن حلفائها الحوثيين الذين قدموا لها اليمن كمنطقة نفوذ تابعة وأوصلوها إلى البحر الأحمر مقابل طائرات مسيرة وصواريخ لتغيير معادلة التدخل السعودي وتحييد سلاح طيران الرياض وهدايا نفط إيراني مجاني يعين في مصاريف المجهود الحربي الحوثي وبدون خسارة أرواح أو قطرة دم إيرانية.

وعلى هذا ستفشل طبخة ليندركنج.

**
ثالثا: فهم الحوثيين
**

١- الحوثيون، يعتقدون أنهم قد انتصروا في حرب اليمن.

المنتصر، لا يبحث عن سلام مع المهزوم ولكن عن غنائم حرب وجِزْية وفِدْية وتعويضات مالية وشروط استسلام.

٢- الحوثيون، معهم هدف تاريخي يتكرر كلما تفسخت اليمن وهو الحكم الطائفي لعموم اليمن.
الحوثيون، يعتقدون أنهم في قلب فرصة تاريخية من ضعف خصومهم ولن يهدروها أو يفرطوا بها.

٣- الحوثيون، لن يقبلوا أبدا بأن يكونوا فقط مجرد أحد مكونات اليمن العادية أو إحدى مكونات وصفة طبخة ليندركنج.

٤- الحوثيون، لن يتراجعوا عن طلباتهم بغاز ونفط مارب وحضرموت والمرتبات وطلبات الفلوس من السعودية.
ليحصلوا على كل هذا يجب أن تتنازل السعودية والمجلس الرئاسي عن الكثير من ماء الوجه والكبرياء.

وعلى هذا ستفشل طبخة ليندركنج.

**
رابعا: فهم السعودية
**

١- مكانة السعودية
*
السعودية، هي أغنى دول المنطقة ومعها مكانة روحية إسلامية كبرى بإشرافها على المدينة المنورة ومكة المكرمة وتتمتع بنظام حكم مستقر وهناك قيادة شابة طموحة وجريئة تمكنت من تنفيذ تغييرات جريئة داخل المجتمع السعودي وكسب عقول وقلوب الشعب السعودي وخاصة الأجيال الجديدة.
قبول السعودية بما قد تقبله الدول الخليجية الأخرى من التسليم بحق إيران بممارسة التأثير والنفوذ على أوضاعهم الداخلية أو الحصول على مصالح اقتصادية أو التحكم بسياساتهم الخارجية، سيكون صعبا على الرياض أو على قيادتها.

٢- السعودية وحماية أمريكا
*
السعودية، لم تعد تثق بوعود أمريكا من أنها حليفة يمكن الركون عليها في مواجهة كبرى- لا سمح الله- مع إيران.

٣- السعودية لن تحارب
*
السعودية، لا تريد الانغماس عسكريا وبطريقة مباشرة من جديد باستعمال الطيران في معارك ضد حروب الحوثي في اليمن حتى لا تتعرض منشآتها النفطية والمدنية للطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية.

٤- السعودية والهزيمة
*
السعودية، لا يمكن أن تسمح بسيطرة الحوثيين على اليمن لأن هذا سيعتبر هزيمة نكراء للمملكة أمام إيران سيكون من الصعب على القيادة والشعب السعودي بلعها.

٥- السعودية والسياسة
*
السعودية، لا تريد أن تقول لأمريكا بأنها تعارض بعض حركات المبعوث ليندركنج.
ولكن يعجب المملكة أن الرئيس بايدن قد استلم راية أن تكون أمريكا هي اللاعب رقم ١ في اليمن وأراحها من هذه المهمة وأزال عن عاتقها هذا الهم.

٦- السعودية طباخة أيضا لكن لم تعد قابلة للضغط
*

السعودية، لن تقبل بضغط أمريكا عليها لتضغط على المجلس الرئاسي اليمني وعلى الرئيس رشاد العليمي كما فعلت مع الرئيس هادي في اتفاق ستوكهولم في ١٣ ديسمبر ٢٠١٨ وكما فعلت لإزاحة الرئيس هادي في ٧ ابريل ٢٠٢٢.
أصلا قد فقدت أمريكا أوراق الضغط على السعودية بتصرفات وتصريحات الرئيس بايدن وبتراجع أمريكا عن تعهداتها عن حماية السعودية ضد هجمات إيران الصاروخية.
السعودية، تقول لأمريكا هذه الأيام: تفاهموا مع كل الأطراف اليمنية سواء كانوا أعضاء المجلس الرئاسي أو الحوثيين.
ونحن أيضا، سنبحث عن السلام مثلكم وسنتباحث حتى مع الحوثيين أيضا.

والسعودية، ترى نفسها أنها ضمن الطباخين أيضا وليست من المطبوخين كما يريد لها ليندركنج.

الفرق بين الطباخ السعودي والطباخ الأمريكي، هو أن الرياض لا تشعر بأنها تحت أي ضغط ولا تحتاج لأن تغير رأيها كل أسبوع مثل الأمريكيين الذين طلبوا بإصرار وبلاهة بأن يتبنوا هم حل مشكلة اليمن.
والطباخ السعودي، لا يغير بهاراته كل أسبوع.
الطباخ السعودي قد يغير الوصفة ولكن ببطء شديد.
الطباخ السعودي، لا يضيف بهارات غريبة لم تكن أصلا في الوصفة مثلما يفعل الحوثيين ومثلما يستجيب لهم الطباخ ليندركنج والأمريكيين.
الطباخ السعودي- على الأقل- ثابت مع المجلس الرئاسي اليمني على أن يكون حل مشكلة اليمن بقبول كل الأطراف اليمنية وبناء على المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن ٢٢١٦ وهذه كلها مرفوضة من الحوثيين والإيرانيين.

مشكلة أن هناك تعثر في الأداء السعودي وفي أداء مجلس الرئاسة على الأرض وعلى الجبهات وفي كسب عقول وقلوب الاغلبية الصامتة، هي أمور معروفة ونحن نذكرها دائما.

وعلى هذا ستفشل طبخة ليندركنج.

**
خامسا: فهم المجلس الرئاسي اليمني
**

١- مختلفون لكن متحدون ضد الحوثي
*
أعضاء المجلس الرئاسي مختلفون فيما بينهم وبعضهم حتى يجاهر البعض بالعداء ضد رفاقه، ولكنهم كلهم متحدون برفض الحوثي والحوثية وإيران.

لا يمكن لأي عضو مجلس رئاسي أن يقبل طواعية بسيطرة الحوثيين أو بشروطهم.

٢- كلهم مع السعودية
*
كل أعضاء مجلس الرئاسة في ضيافة السعودية ولا يمكن لأي واحد منهم أن يجاهر بالخلاف أو الاختلاف مع السعودية.
ونفس الشيئ فإن السعودية لها دور في اختيارهم ومساعدتهم والإنفاق على المجلس الرئاسي، ولن تتخلى عنهم.

٣- السعودية لن تضغط عليهم
*
لا يوجد عند أمريكا أوراق ضغط على السعودية لتضغط على أعضاء المجلس الرئاسي اليمني ليوافقوا على طلبات حوثية جائرة كما هي طبائع هذه الأمور حتى الآن.

وعلى هذا ستفشل طبخة ليندركنج.

**
سادسا: فهم سلطنة عمان
**

العمانيون، يقولون أنهم محايدون.

الوفد العماني مازال غاطسا في صنعاء مع عبدالملك الحوثي في الزيارة الثانية خلال أسبوعين، بتعتيم كامل.

ولا أحد يعرف مكان إقامة عبد الملك الحوثي سوى العمانيين والإيرانيين.

العمانيون، لم يقبلوا طلب رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي عندما طلب زيارتهم في جولته الخليجية، وهم في نفس الوقت أصدقاء جيدون للحوثيين والإيرانيين والأمريكيين في وقت واحد ويحظون بثقة كل هذا الخليط.

العمانيون، هم الساعد الأيمن للمبعوث الأمريكي ليندركنج في محاولة طباخة اليمن.

العمانيون، لا يضيفون أي بهارات ولكنهم يكتفون باستيعاب وهضم الطلبات الحوثية ليشرحوا وجاهتها ومعقوليتها للطباخ الأمريكي الذي هو في غاية الإمتنان والإعجاب بالدور العماني.

وفي كل مرة يتمنع الحوثيون ويتشرطون بطلبات جديدة يقوم بنقلها العمانيون إلى ليندركنج ليعدل في مشاريعه ويستجيب لهم ويضيف بهارات أخرى تجعل الطبخة غير مستساغة على الإطلاق عند المجلس الرئاسي وعند السعودية.

وعلى هذا ستفشل طبخة ليندركنج.

من صفحة الكاتب  –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى