حكاية دكتورة أسمها سندس

*أحلام شاكر

يعتقد الكثيرين أن الكبت والتضييق على المرأة وحرمانها من حقوقها الأساسية كالتعليم والعمل وأختيار شريك حياتها وسيلة مثلا لتهذيبها وضرورة لأبقائها في دائرة الطاعة كما أن ممارسة العنف ضدها ضمان لقيامها بواجباتها المنزلية تجاه أسرتها دون أي تقصير أو تذمر ..فالمرأة الغير متعلمة تبقى كربة بيت ومن وجهة نظرهم أفضل في أداء وأجباتها وتننفيذ ما يطلب منها كما أنها أكثر تحملا للمعاناة وأكثر خضوعا وطاعة من المرأة المتعلمة والعاملة .

ولهم الحق في ذلك لأن ما يعتبرونه طاعة وإلتزام بواجباتها هو خضوع وأستسلام وتحملها لكل ما تلاقيه هو نتاج شعورها بالعجز الناتج عن عدم قدرتها على تحمل مسؤولية نفسها ..فهي غير متعلمه ولا تحمل أي مؤهلات تمكنها من الحصول على وظيفة محترمة تعول من وراءها نفسها ..فتظطر إلى تحمل كل المتاعب والمعاناة حفاظا على حياة ترأها أفضل من الحياة التي ستعيشها في حال تمردت على وأقعها المؤلم الذي فرض عليها …وبأعتقادي هذه النظرة القاصرة والمتوارثة هي وراء أحجام الكثير من الأباء والأزواج على تعليم بناتهم والسماح لزوجاتهم بالعمل فالحاجة هي من تحدد طاعة المرأة وحسن سلوكها وقيامها بواجباتها  كما يعتقدون ..وهذا أمر بعيد كل البعد عن الواقع الذي يؤكد أن المرأة المتعلمة والعاملة أكثر ألتزاما بواجباتها ومساعدة اسرتها ومد يد العون لهم في كل الظروف تحركها عاطفتها وحبها دون أن تنتظر حمدا ولا شكورا لأنها ترا ذلك واجبا دينيا وأخلاقيا تجاه أسرتها قبل أي شيئ أخر … وحكاية الحاج صالح تجسد هذه الحقيقة التي يحاول البعض طمسها تحت مبررات لا أساس لها سواء عدم تقبلهم للمرأة وأصرارهم على سلب حقوقها..

يقول الحاج صالح العمري وهو يرد على شيخ يعتبر المناداة بحقوق المرأة مؤامرة ودعوة غربية هدف نشر الأنحلال في  المجتمع المسلم تحت شعارات الحقوق والحريات والديمقراطية تعليم الفتاة والمساواة بينها وبين الرجل ( العادات والتقاليد التي توارثناها جلعتنا نمارس الظلم على المرأة البنت والزوجة والأخت وأنا وأحد ممن ظلم المرأة وأسئت معاملتها بما أرتكبته في حق أبنتي .. يعرف الجميع أنني رزقت خمسة من الأبناء وبنت وأحده أسميتها سندس  ولم أكن أعلم إن لهذا الإسم نصيب في حياتها فقد زانت حياتها وحياة من حولها و قهرت ظلم أبيها وتجبره ..ويستمر الحاج ناجي بالحديث فضلت الذكور عليها وعملت كل ما بوسعي لتأمين مستقبلهم أدخلتهم أحسن المدارس وأرقى الجامعات لم أبخل عليهم بأي شيئ فهم سندي في المستقبل وملاذي في شيخوختي  ..وفي المقابل قسوت على أختهم البنت ..وحرمتها من أبسط حقوقها وبالكاد سمحت لها أن تكمل دراستها الثانوية ورغم تفوقها فقد حكمت عليها الجلوس بالبيت ولأنها كانت تريد أن تصبح طبيبة لم تستسلم و بدون علمي التحقت بمعهد للتمريض جن جنوني ..وأعتبرت ما قامت به تمرد وكسر كلامي وعقابا على عصيان أوامري زوجتها أول شخص تقدم لطلب يدها وأجبرتها على القبول به دون أي أعتراض…والكلام للحاج ناجي ولم أكتفي بذلك بل قمت بتوزيع تركتي من أموال وعقارات على أبنائي من الذكور ..دارت الأيام وكل واحد من أبنائي اسس عالمه الخاص به بما فيهم البنت التي حصلت على زوج محب لها متفهم تركها تحقق أحلامها وبعيد عن هيمنة الأب  أكملت دراستها في جامعة خاصة وبعد تخرجها عملت في مستوصف القرية وأصبح الجميع فخورون بها ..

يتنهد وعيناه تفيض من الدمع أن ما يواسيني أنها حصلت على زوج صالح وشريك حياة حقيقي كان عونا لها عوضها عن الحرمان الذي كانت تعاني منه وساعدها في تحقيق أحلامها وبكل صدق كان هذا الزوج نعمة ساقه القدر لها … ولا أبالغ إذا ما قولت أنا  اتندم كل لحظة واتمنى لو عادت الأيام إلى الوراء حتى أحسن معاملة أبنتي وأساعدها في كل ما تريد تحقيقه وأكون أبا بكل ما تحمله الكلمه من معنى  .. يتوجه إلى من حوله ويسألهم أكيد تريدون أن تعرفوا كيف أعيش اليوم وأين هم أولادي ؟؟وهل كانوا عند حسن ظني ؟؟ أجيبكم بدون خجل كما تعلمون أعيش أنا وزوجتي فقط ورغم كبرنا بالسن وحاجتنا لمن يرعانا ويقوم على خدمتنا الأ أننا لم نجد غير سندس التي تزورنا كل يوم وترعانا بكل محبه أما الأولاد فقد شغلوا بأنفسهم وأسرهم ولم نعد نراهم إلا في الأعياد يوم بالكثير ..حتى لم يكلفوا أنفسهم بطلب الأنتقال والعيش معهم ..نعم البنت وحدها من تحملت مسؤولية رعايتنا في شيخوختنا.. يقف وبكل ما اوتي من قوه يصرخ في الحاضرين أتقوا الله ببناتكم وزوجاتكم وأستحلفكم بالله أن لا تميزوا الأولاد على البنات وأعطوهن حقوقهن فهن من سيقفين إلى جانبكم في مرضكم وعجزكم ولا تكرروا غلطة الحاج ناجي حتى لا تندموا كما ندمت حين لا ينفع الندم  ) غادر المكان ألا أن كلماته لازالت تتردد في أدان الجميع لأن ما قاله الحاج ناجي ليس من وحي الخيال ولكنه تجربة مرة بعيش تفاصيلها كل لحظة ولهذا كان لكلامة تأثيرا في نفوس الحاضرين وهو ما دفعهم لمنع الشيخ من الكلام  حين  حاول العقيب على ما قاله الحاج ناجي ..فيا ترى كم أب تجنى على بناته كما فعل هو ؟؟؟ وكم زوج يستغل حاجة زوجته وعجزها ويحرم عليها العمل حتى لا تقصر بواجباتها كما يعتقد ؟؟ والأهم ترى كم سندس كافحت وأستطاعت أن تشق طريقها وترسم مستقبلها رغم كل المعاناة والمعوقات التي وضعت أمامها ؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى