اليمن يختنق تحت ضغط الحرب: الأمم المتحدة تحذر من توسع الحوثيين كقوة مسلّحة إقليمية

 

نيويورك – أحمد فتحي – الأمم المتحدة

مقر الأمم المتحدة – نيويورك: يشير تحقيق أممي جديد إلى أن الحرب الطويلة والمرهقة في اليمن دخلت مرحلة أكثر ظلاماً خلال العام الماضي، كاشفاً عن بلد محاصر بين قبضة داخلية تشتد قسوتها وساحة إقليمية تتوسع نيرانها يوماً بعد يوم.

 

التقرير، الذي رُفع إلى مجلس الأمن من قبل فريق الخبراء المعني باليمن، يقدم صورة صادمة: صراع لم يعد محصوراً داخل حدود اليمن. فالحوثيون، القوة المهيمنة في الشمال، استغلوا حرب غزة لتوسيع نفوذهم خارج البحر الأحمر، فأطلقوا صواريخ باتجاه إسرائيل، وأغرقوا سفناً تجارية، ورسخوا حضورهم كلاعب مسلح إقليمي يتطلع إلى ما هو أبعد من جبال اليمن.

لكن المشهد داخل اليمن أشد قتامة.

 

مجتمع تحت الضغط

يشير الباحثون إلى أن الحوثيين يشددون قبضتهم على حياة الناس اليومية بهدوء وبخطوات ثابتة. وحدات أمنية جديدة تتعقب الاتصالات الهاتفية. لجان الأحياء تراقب الأفكار والسلوك. فرق نسائية مسلحة – الزينبيات – تجوب الشوارع، تداهم المنازل، ويُقال إنها تعاقب المخالفات بالصعق الكهربائي.

الأطفال يُدفعون إلى مخيمات صيفية أقرب إلى مراكز تجنيد منها إلى مدارس. ومن يرفض من الأسر إرسال أطفاله يخسر الغاز المدعوم أو المساعدات الإنسانية. موظفو الدولة لم يتقاضوا رواتب مستقرة منذ سنوات. والانقطاعات الكهربائية تمتد لأيام، وفي بعض المحافظات لأسابيع.

إنه نوع الأذى الذي لا يصنع العناوين، لكنه ينخر المجتمع من الداخل.

انهيار اقتصادي وغضب شعبي

يتجاوز سعر الريال اليمني 2800 ريال للدولار في مناطق الحكومة، وهو رقم مرهق لدرجة أن أصحاب المحال يقولون إنهم يغيرون الأسعار أكثر مما يكنسون الأرض. احتجاجات اندلعت بسبب الرواتب والخدمات الأساسية، والصوت العام بات يعبّر عن التعب: جياع عن القتال، خائفون من الكلام، وأشداء على السؤال.

يحذر التقرير من أن هذا الانهيار الاقتصادي، أكثر من القصف والصواريخ، قد يكون العامل الحاسم في مستقبل الحرب. اليمنيون ببساطة لا يستطيعون تحمل عقد آخر من المعاناة.

 

حرب في البحر – وما بعده

بينما يعاني اليمن في الداخل، تحول البحر الأحمر إلى أحد أخطر الممرات البحرية في العالم. الحوثيون طوروا أساليبهم بشكل لافت، مستخدمين صواريخ بالستية مضادة للسفن وزوارق مفخخة وطائرات مسيرة لاستهداف الناقلات والسفن التجارية من باب المندب إلى خليج عدن.

سفينتان كبيرتان – MV Magic Seas و MV Eternity C – غرقتا هذا الصيف. قُتل عدد من أفراد الطاقم. عشرات الآلاف من السفن باتت تغير مسارها حول جنوب إفريقيا، ما يضيف أسابيع إلى الرحلات ويكلف الاقتصاد العالمي مليارات الدولارات.

ويقول الحوثيون إن هذه الهجمات تهدف للضغط على إسرائيل وحلفائها بسبب غزة. لكن الدبلوماسيين يرون أن تداعياتها طالت الجميع: مصر فقدت أكثر من 70 في المئة من حركة قناة السويس، أسعار الشحن تضاعفت ثلاث مرات، وشحنات الوقود المتجهة لشرق إفريقيا أصبحت مصنفة “عالية المخاطر”.

 

الغارات الجوية لم تُضعف الحوثيين

نفذت إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا مئات الغارات على مواقع الحوثيين، مستهدفة الموانئ والرادارات ومصانع الطائرات المسيرة وحتى مطار صنعاء، حيث دمرت جميع طائرات اليمنية الأربع وهي جاثمة على المدرج.

ومع ذلك، تكيف الحوثيون. صواريخهم ما زالت تصل إلى أكثر من 2000 كيلومتر. طائراتهم المسيرة لا تزال في السماء. وقادتهم لا يزالون يظهرون على شاشاتهم المحلية وهم يعلنون النصر.

وبحسب ما يقوله دبلوماسيون غربيون في الجلسات المغلقة، فإن التقرير يؤكد ما يعرفه الجميع: الحوثيون منظمون، منضبطون، ويمتلكون مصادر تمويل مستقلة. العقوبات لم تمسهم إلا بشكل هامشي.

 

شبكة مسلحة آخذة في التوسع

إحدى أكثر النقاط إثارة للقلق في التقرير هي تأكيد وجود روابط أعمق بين الحوثيين وجماعات مسلحة مثل الشباب في الصومال والقاعدة في اليمن. عثر المحققون على أدلة تتعلق بشحنات أسلحة، وتدريب على الطائرات المسيرة، ودعم لوجستي منسق.

اعترضت الصومال عدة شحنات من المتفجرات والطائرات المسيرة. ونحو 400 مقاتل، معظمهم من الشباب، جرى نقلهم من الصومال إلى اليمن لتلقي التدريب.

هذه التطورات مجتمعة تشير إلى أن صراع اليمن لم يعد حرباً أهلية ذات أبعاد إقليمية، بل أصبح صراعاً إقليمياً يستخدم اليمن كمنصة عمليات.

 

بلد لم يعد على الحافة – بل تجاوزها

ورغم الأرقام والصواريخ والطرق البحرية والعقوبات، يبرز الجانب الإنساني باعتباره الأشد تأثيراً: جيل كامل من الأطفال يتربى في بيئة عسكرية، عائلات محاصرة في انهيار اقتصادي تاريخي، وبلد تحولت فيه مفاوضات السلام إلى مجرد رمزية بلا مضمون.

يقدم فريق الخبراء توصيات تقنية – تشديد العقوبات، تحسين التفتيش، تعزيز تبادل المعلومات – لكن الرسالة الضمنية في صفحات التقرير الـ 228 واضحة.

 

اليمن ليس عالقاً. اليمن يغرق.

 

وما لم يحدث تحول سياسي كبير، فإن ملايين اليمنيين سيواصلون العيش – والموت – في حرب اعتاد العالم على مشاهدتها، ورثائها، ثم تجاوزها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى