المواطنة المتساوية .. والإستقرار السياسي ..!!

 

 

✍  د /  منى المعداني

من يبحث في الفكر السياسي الإنساني ، سوف ينبهر ويندهش من الأفكار والمحاولات والفلسفات الكثيرة ، التي تدعوا إلى تحقيق المواطنة المتساوية ، بين أبناء الوطن الواحد ، بل إن بعضها يدعوا إلى المواطنة العالمية المتساوية ، وفي المقابل هناك الكثير من الأفكار والدعوات التي تدعوا إلى التمييز بين البشر بحسب العرق أو العنصر أو الدين أو اللون أو حتى المذهب والمنطقة ، في حالة تعكس حالة التناقض بين سعة أفق وانفتاح أصحاب دعوات المواطنة المتساوية ، وبين ضيق أفق وتعصب وعنصرية أصحاب دعوات التمييز بين البشر ..!!

وخلال التاريخ البشري تطورت تلك الأفكار والدعوات ، سواء الداعية للمواطنة المتساوية ، أو الداعية للتمييز العنصري ، ففي بداية التاريخ البشري كانت الغلبة والقوة والهيمنة ، لدعوات التمييز العنصري ، حيث كانت تلك الدعوات تمنح طبقة الحكام صفات الألوهية ، لتمييزهم عن بقية المواطنين ، وهذه هي أول صورة من صور التمييز العنصري ، وترتب على ذلك التمييز الكثير من الظلم والجور لبقية المواطنين ، الذين كانوا يعتبرون عبارة عن عبيد ، يسخرون كل حياتهم وجهدهم في خدمة طبقة الحكام ..!!

وحاولت الأديان السماوية تصحيح تلك الإختلالات ، وحاولت بكل الطرق والوسائل محاربة التمييز العنصري ، وحاولت ترسيخ مبدأ المساواة بين البشر ، لكن دون جدوى كانت الغلبة في الكثير من الجولات ، لمصلحة دعوات وأفكار التمييز العنصري ، واستمرت البشرية تنزف دماً ، وتتجرع كل صنوف الظلم والجور ، نتيجة هيمنة تلك الدعوات السلبية ، ليأتي الدين الإسلامي بمبادئ إنسانية عظيمة ، أعلنت صراحةً المساواة بين البشر ، قال تعالى (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة )) ، وأعلنت صراحةً رفض كل صور التمييز العنصري ، وجاءت بمبدأ جديد للتمييز بين البشر ، وهو تقوى الله تعالى ، قال تعالى (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) ..!!

ورغم كل تلك الدعوات الصريحة ، التي جاء بها الدين الإسلامي ، في هذا المجال ، إلا أن أصحاب دعوات وأفكار التمييز العنصري ، لم يعدموا الحيلة في التحايل على تلك الدعوات ، لتستمر سياسات ودعوات التمييز العنصري ، ولتستمر مراسيم عبودية الإنسان لأخية الإنسان ، تحت ذرائع وحجج ما جاء بها من سلطان ، بل إن هناك العديد من الأفكار والدعوات التي ظهرت بإسم الإسلام ، تدعوا إلى الإصطفاء الإلهي لبعض الناس ، في تكريس جديد لسياسات التمييز العنصري ، وصناعة الفوارق بين البشر ، ومحاربة المواطنة المتساوية ، بأشكال جديدة وأساليب جديدة ، في إلتفاف واضح على دعوات الإسلام بهذا الخصوص ..!!

ونتيجة تلك الأفكار والدعوات والسياسات ، لم تحظى أنظمة الحكم في العالم العربي بالاستقرار ، إلا خلال العهد النبوي والراشدي ، وعانت من الكثير من الاضطرابات والحروب والقلاقل والفتن طوال تاريخها ، فبمجرد خروجها من حرب ، تجد نفسها وهي داخلة فتنة جديدة ، وهذه هي النتيجة الطبيعية لسياسات التمييز العنصري ، ولعدم تبنيها لمبدأ المواطنة المتساوية ، الضامن الحقيقي للأمن والاستقرار للأنظمة السياسية ..!!

وما تنعم به المجتمعات الغربية والمتحضرة ، من الأمن والاستقرار والتقدم والتطور ، هي النتيجة الطبيعية لتبنيها لمبدأ المواطنة المتساوية ، ولمحاربتها لسياسات التمييز العنصري ، ومن العبث بمكان أن يبحث نظام سياسي عن الأمن والاستقرار ، وهو يتبنى سياسة التمييز العنصري ، كون هذا التمييز هو العدو الحقيقي للأمن والاستقرار ، بينما مبدأ المواطنة المتساوية هو الضامن الحقيقي للأمن والاستقرار ، فعندما يشعر المواطن بمواطنته المتساوية مع الجميع ، وعندما يجد بأن الجميع سواسية أمام النظام والقانون ، فلن يكون في حاجة لإعلان التمرد على النظام السياسي ، بل ٱنه سوف يجد نفسه ملزماً بالدفاع عن هكذا نظام ، حقق المساواة بين الجميع ، فالمواطن في كل مكان في العالم ، لا يبحث إلا عن العدالة والمواطنة المتساوية ، وإذا ما توفرت له فإنه حتماً سيكون مواطناً مثالياً ، وحريصاً على أمن واستقرار النظام السياسي ، وفي حال إنعدام العدالة والمواطنة المتساوية ، فإنه قد يسلك كل السلوكيات السلبية ، كرد فعل لشعوره بالظلم والتمييز العنصري ، وحرمانه لحقه في المواطنة المتساوية مع الآخرين ..!!

وما تعيشه الأنظمة السياسية في العالم الثالث عموماً وفي العالم العربي خصوصاً ، من اضطرابات وفتن وصراعات وحروب ، هو النتيجة الطبيعية لسياساتها القائمة على التمييز العنصري ، وعدم إلتزامها بتطبيق مبدأ العدالة والمواطنة المتساوية ، فعادةً ما تستحوذ الطبقة الحاكمة بكل الإمتيازات ، بينما يحرم بقية أفراد الشعب منها ، وهو ما يولد حالة الرفض والتمرد لديهم ، ليكونوا بذلك مشاريع للتمرد والفتنة ، وتكون الأنظمة السياسية بذلك عرضة للاضطرابات والقلاقل ، وعادةً ما تستغل الدول الخارجية هكذا أوضاع ، للتدخل السلبي في شئون تلك الأنظمة ، من خلال دعم المعارضين والرافضين لسياسات الظلم والتمييز العنصري ، لتجد تلك الأنظمة نفسها وهي تعيش في حالة من الاضطرابات والصراعات المستمرة والمتجددة ..!!

لذلك ……
فإن الحل الوحيد أمام الأنظمة السياسية ، التي تعاني من الاضطرابات والصراعات والفتن ، هو الالتزام بمبدأ العدل والمواطنة المتساوية ، ومحاربة كل صور وأشكال التمييز العنصري ، لأن هكذا أجواء إيجابية إذا ما توفرت داخل آي نظام سياسي ، فسوف ينعم بالأمن والاستقرار ، وسوف يقطع الطريق أمام كل التدخلات الخارجية السلبية في شئونه وسياساته ، فالمواطنة المتساوية هي العلاج الحقيقي لكل علل ومشاكل الأنظمة السياسية حول العالم ..!!

وخلاصة القول …..
هناك علاقة وثيقة جداً بين المواطنة المتساوية والاستقرار السياسي ، فكلما توفرت المواطنة المتساوية كلما توفر الاستقرار السياسي ، وكلما انعدمت المواطنة المتساوية كلما إنعدم الاستقرار السياسي في هذه الدولة أو تلك ..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى