الكل يقول أحبك

                                                       

 ✍️ بقلم : هشام المغربي

نحن أمام عمل روائي هام هو آخر أعمال الأديبةالمبدعة د. مي التلمساني أستاذة الدراسات العربيةوالسينمائية بجامعة أوتاوا بكندا, والحاصلة علىوسام الفنون والآداب برتبة فارس من الحكومةالفرنسية لهذا العام 2022 .

ترجمت روايتها الأولى( دنيا زاد ) إلى أكثر من ثمانلغات أجنية وحصلت على جائزة الدولةالتشجيعيةلرواية السيرة الذاتية عام 2002 .

مي التلمساني تعيش في كندا وقلبها معلق بمصرتعيش أحلامها وتشعر بآلامها, لم تستطع كندا أنتمحو شرقيتها ولم تستطع مصريتها الشديدة أنتمحو عنها الفراكفونية الواضحة, فهي هذا الخليطالنادر بين الإثنين.

هذا العمل الذي أتناوله في هذا المقال ( الكل يقولأحبك ) تنقلنا مي التلمساني من أوتاوا إلى تورونتوإلى مونتريال ثم تعود بنا إلى وندسور بمقاطعةاونتاريو ثم كيبك  وتذهب بنا بعيدا إلى  روان نوراندا تجعلنا نشعر ببرودة الطقس نكاد نرى الثلوجالبيضاء بين سطور كلماتها الرشيقة ودفء مشاعرأبطالها  في سرد ممتع وقراءة دقيقة لكل من حولهامن أشخاص فهي تتفحص في شرح وافي بعضالعرب والأجانب في مجتمع المهجر , تقرأ ما يدور فيعقولهم أو ما يعتمل في قلوبهم, وإذا كانت اللغة هيأهم أدوات الكاتب فنحن أمام كاتبة تملك ناصيةالكلمة , وتجيد السرد و الحوار بتلقائية شديدة ولغةعربية بديعة.

يقول تنسي وليامز :  عملي هو الإصدار الوجدانيمن سيرتي الذاتية  لا علاقة لها بالأحداث الفعلية فيحياتي  , إنه يعكس فقط التيارات الإنفعالية خلالها.

هكذا تسير تلك الرواية نحو هذا المنحى الذي ذكرهوليامز , فالأمر يتعلق بإثارة الاستجابة العاطفية لدىالقاريء وهو ما نجحت به إلى حد بعيد,فهي كاتبة قدرشفت من رضاب الحياة بعسلها ومرها , نلاحظهجلياً في أدق تفاصيل النفس البشرية, يساورنيشعور أن مي التلمساني تأثرت بشكل كبير بالأدبالعربي وخاصة ألف ليلة وليلة بين ثنايا أعمالها أجدألف ليلة تطل علينا بين الفينة والفينة ربما كان هذاماجال بخاطري وأنا أقرأها ربما أيضاً استشعرتتأثرها بالكاتب الفرنسي اندريه موروا وكتابه سبعوجوه للحب لا شك أن مي تأثرت بالأدب والسينما معاً بحكم دراستها ونشأتها وفي هذه الرواية تتقاطعالمشاهد وتتلازم كأننا أمام فيلم سينمائي نتابعهبشغف حتى النهاية.  

 كما سأعرض هنا في هذا العرض الموجز .

تقسم الرواية إلى خمسة فصول هي على الترتيب: كمال المصريكريم ثابت –  نورهان عبد الحميدداينا سليمان –  بسام الحايك .

يربط بينهم جميعاً خيطاً واحداً هو الحب والعلاقاتالخاصة في حياة كل منهم بين النجاح والفشل بينالصعود والهبوط بين الأمل والإحباط, نسجت ميبقلمها بينهم علاقات التعارف والتلاقي بحنكة كبيرةبين المطارات والطائرات والسيارات والكافيهات , تتغلغل في النفس البشرية لشخصياتها كمحللوجداني للرجال والنساء على السواء .

تبدأ الرواية بكمال المصري الرجل الذي تجاوز هووزوجته الستين عاماً ومشاعره تجاه الزوجة التيربما نضبت الرغبة بينهما  وتلاشت المعاشرة الزوجيةتماماً إلا أن علاقة الحب والمودة والعشرة لم تزل قائمةيشتاق إليها كلما غادر تورنتو إلى مدينة وندسورحيث يعمل بجامعتها ويذكر كيف التقى بصديقتهآيلين الأيرلندية الأصل في فترة من  فترات حياته كمايذكر معاشرته لها, ولينا عقاد السورية التي أحبهاحباً طاغيا بعد انتصاف الخمسين من عمره , لحظاتتسجيلية لمشاعر رجل جاوز الستين من العمر .

ثم كريم ثابت وزوجته نورهان عبد الحميد التييخونها مع أليشيا البولندية الأصل وتغار منهانورهان وتستشعر ما بينهما من علاقة بحدس المرأةالحاذق.

ثم العلاقة بين نورهان وبسام الحايك قبل زواجها منكريم ثابت وتعلقها الشديد به ورغبتها في الزواج منهورفضه لذلك حباً لزوجته المريضة التي لا يريد جرحهاأو إيذائها وارتباطه بابنته الوحيدة واحتياجها إليهفي سن المراهقة.

ثم داينا سليمان السورية الحلبية التي تعملبالتصوير الفوتوغرافي و نجحت في اقتناص بسامالحايك كزوجة بعد سنوات طويلة كعشيقة طالانتظارها ولكنها صبرت حتى حققت ما خططت له.

ثم أخيراً بسام الحايك هذا الرجل السوري الهارب منسوريا  كلاجىء سياسي هربا من الاضطهاد بعدمجزرة حماة حيث القتل والتدمير والهدم الذي الحقهحافظ الأسد بالبلدة, وهو ناشط سياسي يساري حالمبالاشتركية والوحدة العربية عاش في صباه كارثةأيلول الأسود, لقي شقيقيه مصرعهما , الأول في إربدعام 1970 مجند في فصائل الجيش السوري المساندلمنظمة التحرير في الأردن , ولحق به الثاني خلالالحرب الأهلية في لبنان عام 1981 في معركة زحلة.

رحلة هروبه من سوريا كانت مغامرة على كل الأحوال, عبر براً من دمشق إلى عمان ومنها إلى باريسبتأشيرة مزورة ومنها إلى مونتريال وهناك مزق جوازسفره ولجأ إلى ضابط الحدود كلاجىء سياسي.

يعمل محرراً صحفياً بالجريدة التي يعمل بها والدنورهان أحب وعاشر نورهان وداينا سليمان وأقنع كلمنهن أنه عاشق لها بمفردها بعد زوجته التي يشفقعليها لمرضها .

ملت نورها ن من انتظاره , وبحثت لنفسها عن زوجوأسرة واستقرار حتى ولو دون حب ربما يأتي الزواجوهو ماحدث .

كل ما يطلبه بسام  الآن في هذه السن بعد رحلة كفاحطويلة بعد وفاة زوجته وزواج ابنته هو أن يعيشنزواته كلما صادف بنتاً حلوة أو سيدة جذابة يعيشمعها أحلام شبابه الذي كان وقد شارف الآن علىالذبول, يعيش ولو لفترة قصيرة حتى تنتهي تلكالعلاقة ليبدأ في مغامرة جديدة.

فكرة الخيانة الزوجية في العمل رغم أنها أتت منالرجال إلا أن الخيانة دائماً رجل وأنثى ليست المرأةبعيدة أيضا عن الخيانة وكيف يخون الرجل بلا أنثىتشاركه الخيانة. أما الحب فأجده موجودا لدى كلالرجال الذين أتى ذكرهم في هذا العمل رغم حبهمالشديد لزوجاتهم إلا أن الأمر لا يخلو من مغامرةعاطفية ,أو ممارسة غير مشروعة عابرة أو قصة حبلفترة من الزمن, حتى وإن استمرت لسنوات فهو فيقرارة نفسه يعرف أنها سرعان ما تنتهي ليعود إلىالحبيبة والزوجة, قد يجد بعض الرجال أن الخيانةأمرا طبيعياً لطبيعتهم وهي مختلفة كثيراً عن طبيعةالمرأة التي تعيش بكل جوارحها مع من تحب ولا ترىغيره في الحياة حتى يفتر هذا الحب وهنا قد تسمحلنفسها بالخيانة.  ما أعجبني في الرواية كيفنسجت مي التلمساني هذا الرباط بين كل هؤلاء رغمالتباعد الزمني لكل منهم عن الآخر والتباعد النفسيوالعاطفي والمكاني,عمل روائي ممتع استمتعت به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى