الصراع الإيراني – السعودي في اليمن يتخطى الصراع اليمني-اليمني

 

✍️ عبدالقادر الجنيد

***

هل حرب اليمن يمنية-يمنية؟
أم أنها حرب بالنيابة بين إيران والسعودية؟

هذا هو موضوعنا اليوم.

**
أولا: عرض الآراء المختلفة
**

١- اليمنيون
*
معظم اليمنيين- وأنا منهم- يصرون على أنها في الأصل حرب أهلية يمنية-يمنية ١٠٠٪؜، تتكرر عبر التاريخ عندما تنعدم وجود الدولة القوية ولكنها تصادفت هذه المرة مع وجود صراع استراتيجي بين إيران والسعودية.

لن نغطس في ذكر الأمراض والتناقضات اليمنية التي تؤدي لحروب أهلية متكررة، فنحن نتكلم في هذا طول الوقت.

٢- الأجانب
*
المحللون والسياسيون وصناع القرار الأجانب- وخاصة في الدول الغربية- مصممون على أنها حرب بالنيابة بين إيران والسعودية وأن اليمنيين مجرد كومبارس بأدوار ثانوية.

وبعض مراكز التفكير والدراسات الأجنبية كانت حتى تنكر أهمية الدور الإيراني في بناء القوة العسكرية الحوثية وفي إدارة حرب اليمن، ولكنهم قد تغيروا في السنتين الأخيرتين وأصبحوا كلهم حتى صناع القرار في العواصم الغربية يتكلمون عن النشاط التوسعي لإيران في البلاد العربية وحتى يصفونه بالخبيث والشرير

٣- الوضع الآن
*
الأحداث تتسارع وتخلق أوضاعا جديدة تتغير معها الآراء.

نستطيع أن نرصد هذه الأيام أن الصراع السعودي-الإيراني هو الفاعل رقم ١ في هذه الحرب التي تدخل سنتها الثامنة.

**
ثانيا: قانون تسارع الأحداث
**

الأحداث تتسارع وتخلق أوضاعا جديدة.

١- الأحداث، أسرع من ستوكهولم
*
الأحداث، أسرع مما عمله جريفثس والأمم المتحدة والسويد وبريطانيا وأمريكا في ما يسمى باتفاق ستوكهولم، الذي لم يوقعه أحد.
كانت قوات العمالقة والدعم الإماراتي على مسافة خمسة كيلومترات من ميناء الحديدة، ولكنهم توقفوا.

كان طرد الحوثيين من ميناء الحديدة في متناول اليد، ولكنهم توقفوا.

تم دفن إتفاق ستوكهولم لأن الوضع تغير تماما لصالح الحوثيين ولا يمكن أبدا حتى مجرد الكلام عن تحرير الحديدة كما كانت تخطط الإمارات.

واستمتع الحوثي.
وتحرير الحديدة لا يمكن أن يتكلم أحد عنه الآن.

وحقق الحوثيون مكاسب مجانية لم تكن تخطر على البال.

٢- الأحداث، أسرع من “إعادة التموضع”
*
انسحب تحالف دعم الشرعية- الإمارات والسعودية- من ١٠٠ كيلومتر على ساحل البحر الأحمر وزحفت إلى داخلها الميليشيات الحوثية في نفس اليوم.

واستمتع الحوثي.
وال ١٠٠ كيلومتر على ساحل البحر الأحمر لا يمكن لأحد أن يتكلم عن استعادتها الآن.

وحقق الحوثيون مكاسب مجانية لم تكن تخطر على البال.

٣- الأحداث، أسرع من ليندركنج
*
ليندركنج، ضغط على السعودية وبأمر صريح من الرئيس الأمريكي بايدن بأن “توقف حرب اليمن”.

ليندركنج، شارك في اجتماعات الرياض التي “صنعت” المجلس الرئاسي القيادي اليمني في ٧ ابريل ٢٠٢٢.

ليندركنج، أحد المخرجين والمنتجين الرئيسيين مع السعودية والإمارات في اختراع المجلس الرئاسي المكون من قادة التكوينات المسلحة التي أنشأتها وتمولها الإمارات والسعودية.

ليندركنج، هو الذي صنع الهدنة- التي لم يوقعها أحد بين الحوثيين من جهة وبين السعوديين والإماراتيين ورئيس الشرعية حينذاك عبده ربه منصور هادي قبل الإطاحة به واستبداله بالمجلس الرئاسي.

ليندركنج، فك الحصار عن الحوثيين وأدخل النفط الإيراني المجاني عبر الحديدة ليمول المجهود الحربي للحوثي.

واستمتع الحوثي.
ولا يفكر ليندركنج الآن ولا أي أحد آخر بمنع وصول نفط إيران للحوثي.

الفكرة التي أريد أن أروج لها، هي أن:
الأحداث، أسرع من صناع السلام الأجانب وتنقص من أهميتهم.

الأحداث، أسرع من المجلس الرئاسي والرئيس رشاد العليمي وتنقص من أهميتهم.

الأحداث، أسرع من الإمارات والسعودية وتضعف دورهم وتأثيرهم ولكنهم يحتفظون بشيئ من الأهمية لأنه بدونهم ستختفي كل القوى المتصدية للحوثيين.

هذه الأحداث السريعة المتلاحقة ، تخلق أوضاعا جديدة لم تكن تخطر على بال أي أحد.

الأحداث ، جعلت أهمية دور الصراع الإيراني-السعودي، يتعاظم في حرب اليمن
هذه الأوضاع الجديدة التي تغيرت بفعل الأحداث السريعة، قد جعلت حرب اليمن صراعا إيرانيا-سعوديا بالدرجة الأولى وقد جعلت الحوثيين في وضع أفضل أكثر بكثير من بدايات الحرب وجعلت كل القوى والمناطق المناوئة والمتصدية للحوثيين في تناقضات ونزاعات لم تكن موجودة أصلا.

والآن يجب محاولة فهم إيران والسعودية لكي نحاول أن نفهم ماذا سيحدث لبلادنا اليمن.

**
ثالثا: التفكير الإيراني
**

١- إيران لن تقبل الهزيمة في اليمن
*
إيران، تعيش فرصة تاريخية تمكنت فيها من إثارة خيال الطوائف العربية الشيعية في سائر المنطقة والحوثية في اليمن ثم حشدتها على هيئة ميليشيات مسلحة واستعملتها بتكاليف مادية رخيصة وبدون خسارة أي دماء وأرواح إيرانية للاستيلاء على دول كاملة وللتمدد إلى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.

٢- إيران نفسها طويل
*
إيران، ترى أن كل الفئات المحلية التي تعاديها داخل اليمن وكل الدول الإقليمية التي تقاوم استيلائها على اليمن وكل الدول الأجنبية الغربية التي تعارض نفوذ إيران في اليمن، كلها نفسها قصير وعزيمتها رخوة وقد سبق وأن تمت هزيمتها في لبنان وسوريا والعراق من قبل الحرس الثوري الإيراني.

والآن علينا أن نعيش وأن نقاسي في اليمن بانتظار من الذي سيكون نفسه أطول: السعودية أم إيران؟

٣- إيران قد حيدت أمريكا
*
أولويات أمريكا، هي التصدي لروسيا في حرب أوكرانيا والتصدي لتحديات الصين العسكرية في تايوان وبحر الصين ولتحدياتها الاقتصادية والتكنولوجيا.

أمريكا، لا تريد أن تخوض أي صراع في الشرق الأوسط وخصوصا ضد إيران بعد نكساتها وغرامتها في العراق وافغانستان.

أمريكا، قد تم تحييدها في الصراع الإيراني-السعودي.
والتفاصيل كثيرة وتحتاج مساحة أخرى.

٤- إيران تستفيد من تفكك الشرعية والتحالف
*
نموذج نظام الحكم الذي صنعته إيران للحوثيين، هو نسخة طبق الأصل من نظام الحكم في إيران بالانضباط والضبط والربط والتراتبية الهرمية والسلطة الكهنوتية المطلقة.

إيران، مسرورة بالنموذج المناوئ الذي صنعته السعودية في اليمن.

الرئيس اليمني، لا يستطيع أن يبتكر ويرتجل لكسب عقول وقلوب اليمنيين لحشدهم وليقوموا بالواجب نحو بلادهم.

الرئيس اليمني، لا يستطيع عمل أي شيئ إلا إذا أشارت السعودية وإلا إذا حصل على “التوافق” مع أعضاء المجلس الرئاسي.

القوى اليمنية التي تعارض إيران، مشلولة من ناحية التركيب الهيكلي والمعنوي والمادي والمصالح المتعارضة في نفس الوقت.

النموذج الذي صنعته السعودية للشرعية اليمنية، بأعضاء المجلس الرئاسي الذين يقودون ألوية مسلحة لا تتبع وزارة الدفاع اليمنية، والتي تستلم مرتباتها من السعودية والإمارات لا يمكن أن يكونوا قوة مستقلة عن رغبات الممول في أي عمل دفاعي.
وحتى الألوية التي تحت إمرة وزارة الدفاع اليمنية لا يمكن أن تحارب الحوثيين بدون موافقة سعودية.

وهذا يجعل مشكلة إيران بسيطة لأن كل ما تحتاجه هو “إقناع” السعودية بعدم إعطاء الأمر لليمنيين بمقاومة الحوثيين.

**
رابعا: التفكير السعودي
**

١- السعودية لن تقبل الهزيمة في اليمن
*
سقوط اليمن في السلَّة الإيرانية لن يكون مثل سقوط لبنان وسوريا والعراق.

وحتى إذا كان سقوط اليمن بنفس سوء سقوط أخواتها فإنه لا يناسب السعودية أن تكتمل الكماشة الإيرانية حولها من كل الجهات.

٢- السعودية نفسها طويل
*
السعودية، ترى أن نفسها أطول من أنفاس كل من عارضها من قبل.

السعودية، ترى أنها قد نجحت وقد استمر نظامها وانتصرت أمام الحركات الناصرية في مصر، والحركات البعثية في العراق وسوريا، والحركة السوڤييتية الشيوعية في جنوب اليمن وحركة الإخوان المسلمين، وحركة ما يسمى بالربيع العربي.

والسعودية، ترى أنها قد نجحت بالتصدي لليبراليي وديموقراطيي أمريكا وللرئيس بايدن الذين قد عادوا بدافع مصالحهم وأثبتت بأن نفسها أطول منهم.

والآن- بالتأكيد- تفكر السعودية بأن نفسها أطول من نفس المد الطائفي الشيعي والتوسعات الإمبراطورية الإيرانية ونظام الملالي الإيراني المتعصب والتهديدات بميليشيات الحرس الثوري الإيراني الحوثية وغيرها وأنها ستتغلب على كل ما في جعبة إيران مثلما تغلبت على كل من سبقهم.

والآن علينا أن نعيش وأن نقاسي في اليمن بانتظار من الذي سيكون نفسه أطول: السعودية أم إيران؟

٣- السعودية تنتظر تغير موقف أمريكا
*

أمريكا، تعتبر بأن إيران دولة مارقة بمشاريعها النووية وصواريخها الباليستية وبتهديداتها لاسرائيل وحتى بأدوارها “الخبيثة” في المنطقة حسب التعبير الأمريكي.

مناشدة أمريكا بأن تقوم بواجبها تجاه إيران، لا ينفع.

والسعودية، تنتظر أن تتغير المواقف الأمريكية المهادنة لإيران عسكريا سواء تحت إدارة الرئيس بايدن أو بمجيئ رئيس من الحزب الجمهوري.

لكن باختصار شديد:
أمريكا مشغولة جدا ومقروصة من حروب وصراعات الشرق الأوسط العقيمة كما تسميها ولن تخوض أي حرب مباشرة ضد إيران تحت بايدن أو أي رئيس آخر.

٥- السعودية يجب أن توحد الشرعية والتحالف
*

كلهم أبناء السعودية.

كل أعضاء المجلس الرئاسي اليمني يسمعون كلام السعودية ولا يخالفون لها مشورة أو طلبا.

مناشدة أعضاء المجلس الرئاسي من قبل السعودية بأن يتوحدوا ويتفقوا، غير مفهومة عند اليمنيين.

المتوقع هو أنه لن تشتعل الحروب هذه السنة.
والمتوقع، هو أن يستمر الحوثيون بالحشد والاستعداد.
والمتوقع، هو أن المعارك ستندلع مرة ثانية طال الزمن أو قصر.
والمتوقع، هو أن صفوف الشرعية لن تتوحد من ذات نفسها أو بنشاط أعضاء مجلس الرئاسة ولا بسياسات ومشاورات الرئيس رشاد العليمي.

**
الخلاصة
**

١- جهود المبعوث الأمريكي ليندركنج لعقد مفاوضات سلام يمني شامل، ستفشل.

٢- المعارك ستعود.

٣- “النفس الطويل” بمطالبة اليمنيين بالصبر والاستمرار بالمعاناة، سيخلق أحداثا متسارعة ومعقدة وتخلق أوضاعا جديدة لا نطيقها.

٤- المطلوب من السعودية “النفس الطويل” لتوحيد صفوف قادة اليمن، وكسب عقول وقلوب اليمنيين، والاستعداد للمعارك القادمة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى