الأمام الشافعي رضوان الله عليه. وظف الدين لصالح النسب الهاشمي،، [1]

 

✍️ مصطفى محمودــاليمن

الإمام الشافعي محمد ابن إدريس رحمه الله،اشهر من نار على علم،ولد في غزة(150)من أب قرشي مطلبي،وأم أزدية.وتوفي بمصر(204).عاش الشافعي الحقبة السياسية العباسية تقريبا منذ فترة حكم الرشيد إلى زمن المأمون،وهي المرحلة التي استقر فيها الحكم الوراثي لآل العباس،وفيها تشكلت حركات سياسية فكرية مناهضة لفكرة الحكم الوراثي،والعقل النقلي الحشوي.وفي هذه الأجواء ترعرع الإمام الشافعي الطالبي القرشي،فوجد نفسه في اتجاه صبغ بصبغة قريشية،فالخليفة قرشي والنسب شريفي،وقد استثمر الشافعي هذا الاتجاه ووظفه أيما توظيف في طلب العلم،ونيل الوظائف الرسمية،والتمتع بسهم ذوي القربى،حيث وجد نفسه في قلب السلطة شريكا وليس حليفا،علما بأن هذه الإمتيازات لم تكن متوفرة لأستاذه الإمام مالك الذي مورس عليه أصناف الترهيب وطرائق الترغيب للأنخراط في صفوف السلطة فقبل بعضها ورفض بعضها الآخر.أما أبو حنيفة فقد أعي الخليفة والخلافة عن قبول أصناف الترغيب،أو الخوف من وسائل الترهيب من أجل الإذعان لسياسة الخليفة الكسروية،والخطاب النقلي!!

ويبدو أن الأنتماء إلى القريشية والنسب الشريف في زمن الشافعي ؛زمن قيام الخلافة على نظام الانتماء الأسري والبيوتات(أموية-عباسية)كان بالنسبة للشافعي بمثابة مفاتيح الحياة الخاصة والعامة،لما أحيط به من أهتمام بالغ من أهل ذاك الزمان،،فقد كان الشافعي يلتقي مع نسب الخليفة الرشيد بكونهما من بنى عبدالمطلب(طالبي)،ومع الرسول بكونهما ابني عمومة،كما وصفه الذهبي بأنه:نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه.ولا شك أن الارتباط الوثيق بالرسول صلى الله عليه وسلم(الرسالة)،والخليفة(السيف)قد مهد له طلب المشاركة في الحكم،والتمتع بسهم ذوي القربى،والاستعانة بذلك على نيل مكانة مرموقة في المحيط العام والخاص.

وتوثيقا لهذه الصلة وتأكيدا لها لم يتردد المحدثون في الاستنجاد بجملة أحاديث منسوبة لرسول الله تبشر بمكانة الشافعي وشرعية هذا المقام،كقولهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:اللهم اهد قريشاً فإنَّ العالم منهم يسع طباق الأرض.(أحمد والترمذي).وفي حديث أخر:لا تسبّوا قريشاً فإنَّ عالِمها يملأ الأرض علماً.وقد عقد ابن حجر في توالي التأسيس في مناقب معالي محمد ابن إدريس بابا كاملا في بشارة النبي بالشافعي وحشد فيه أحاديثا كثيرة.حتى أنه أشار لكتاب له اسمه(لذة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش)والغرض منه الاشارة إلى أن الشافعي إمام قرشي فيدخل في عموم الأمر بتقديم قريش على غيرهم مع ما اختص به من نسبته إلى بني المطلب على ما تقدم ذكره!!

ولم يغيب عن بال ذوي الرؤى والمنامات والأسطورة بأن يحيطوا تلك الأحاديث المنسوبة للرسول بمنظومة من الرؤى والمنامات بحيث تكبل من له عقل،وتشبع العقل الأسطوري،حيث تجعله أمام حقيقة دينية مقطوع بها ينبغي عليه التسليم بها وقبولها(تقديس الذات،وتصنيمها)،ومن تلك الرؤى قول ابن عبد الحكم:لما حملت والدة الشافعي به،رأت كأن المشتري خرج من فرجها،حتى انقض بمصر،ثم وقع في كل بلدة منه شظية،فتأوله المعبرون أنها تلد عالما،يخص علمه أهل مصر،ثم يتفرق.(تاريخ بغداد)ولا يخفى أن المقابلة بين رؤية إم الرسول حين حملت به بأنها رأت قمرا خرج من رحمها،ورؤية أم الشافعي بأن المشتري خرج منها،كانت بمثابة إكتمال أوجه الشبه لإتمام عملية تقديس الذات!!

كذلك قال ابن نصر الترمذي أنه:رأي في المنام النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده بالمدينة فكأني جئت،فسلمت عليه،وقلت:يا رسول الله،أكتب رأي مالك؟ قال:لا،قلت:أكتب رأي أبي حنيفة؟قال:لا،قلت:أكتب رأي الشافعي؟فقال بيده هكذا،كأنه انتهرني،وقال:تقول:رأي الشافعي!إنه ليس برأي،ولكنه رد على من خالف سنتي.وفي رواية:لكن قول الشافعي ضد قول أهل البدع)(سير إعلام النبلاء )وفي رواية قال:رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام،فسألته عن الاختلاف،فقال:أما الشافعي فمني ولي،وفي الرواية الأخرى:أحيا سنتي.(تاريخ بغداد،سير النبلاء)ولم يكتفي النشاط المنامي والتأويلي عند هذا الحد،بل ذهب به خياله إلى يوم القيامة حيث قال أبو حاتم لما مات أبو زرعة الرازي رأيته في المنام،فقلت له:ما فعل الله بك؟قال:قال لي:ألحقوه بأبي عبدالله،وأبي عبدالله،وأبي عبدالله،الأول مالك،والثاني الشافعي،والثالث أحمد!!(توالى التأسيس)طبعا مارس صاحب العقل المنامي أساليب الاقصاء على المخالف فلم يذكر أبا حنيفة!!

ولا يخفى أن هذا السياق المنامي والأسطوري والنشاط التأويلي يشير بشكل من الإشكال إلى أن جملة الأحاديث التي جاء فيها ذكر أن من رأى رسول الله في منامه فكأنه قد رأه في اليقظة،قد سيقت لدعم هذا النشاط المنامي والأسطوري الذي قد انتشر في أوساط العقل النقلي خاصة أهل الحديث(للمزيد يمكنك مراجعة تراجم مالك،الشافعي،أحمد،ابن المبارك،البخاري).(1)

ويبدو أن الشافعي بهذا الارتباط العرقي والنشاط المنامي(=النسب إلى الرسول والخليفة،والنشأة بمكة،والتعلم بالمدينة)قد حظي عند السلطة الحاكمة والناس بكل ما تحظى به مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم من تعزير وتوقير وتعظيم وإيمان،حتى أن الخليفة العباسي هارون الرشيد قد استنكر على فقيه دولته(محمد بن الحسن الشيباني)أن يناظر الشافعي عالم قريش واستدل عليه بحديث:قدموا قريشا ولا تقدموها،وتعلموا منها ولا تعلموها،فإن علم العالم منهم يسع طباق الأرض.(تاريخ بغداد،سير أعلام النبلاء).بل اعتبر عبدالله بن البوشنجي–من تلاميذ الشافعي-أن حب الشافعي من الإيمان حيث أنشد:ومن شعب الإيمان حب ابن شافع ….وفرض أكيد حبه لا تطوع .(مناقب الشافعي،وسير النبلاء)ويبدو للناظر في السياق التاريخي لتوظيف النسب(قريش)من قبل السلطة الحاكمة والعقل المنامي ضد الإنتشار الفارسي الفكري والسياسي،كان مدعاة لبروز جملة من أحاديث منسوبة لرسول الله في الأوساط السياسية والعلمية(=الحلفاء؛السيف والقلم)والتي جاء فيها أن الأئمة من قريش،ولاشك أن توظيف الديني بهذا المستوى كان بمثابة ردة اجتماعية(=الرجوع إلى العقل القبلي)،وردة سياسية(=الرجوع إلى النمط الكسروي والهرقلي في الحكم)،بالضرورة لا نقصد الردة الدينية.

يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــــبــــــــــــــــــــــــــع،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى