أمريكا وإيران (والحوثي) إعاقة في الفهم

 

 

بقلم: كريم سادچادبور

ترجمة:(عبدالقادر الجنيد)
***

إبن خلدون، العلامة الشمال أفريقي (العربي)، كتب في القرن ١٤ الميلادي أن الإمبراطوريات لا تبقى لأكثر من ثلاثة أجيال.
المؤسسون من الجيل الأول، أناس غلاظ قساة وحدتهم المعاناة والمثابرة والتضامن الجمعي وقد أطلق على هذا المفهوم مسمى “العصبية “.
الجيل التالي، يحافظ على إنجازات الآباء المؤسسين.
ولكن عندما نصل إلى الجيل الثالث والرابع، فإن التنعم بالثراء والمخمل والمقام الرفيع، ينخر في طموحهم ووحدة صفوفهم وتضيع مناعتهم أمام جيل جديد تتقد النار في أحشائهم للبحث عن السلطة والقوة

في ثورة ١٩٧٩ الإيرانية، حول الأصوليون الدينيون الذين تتقد النيران في أحشائهم البلاد إلى كهنوتية إسلامية معادية لأمريكا. وإيران اليوم مازال يقودها أحد ثوار الجيل الأول -٨٣ سنة- القائد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يحكم منذ ١٩٨٩. ومن ضمن الأسباب لطول بقائه هي أنه يحكم إيران هي الاحتراس والحذر الفائق والوحشية اللتان تتلبسا رجلا يعتقد أن جزء كبيرا من أبناء مجتمعه وبلاده مع القوة الأعظم في العالم يتطلعون للإطاحة به من كرسي الحكم.

تحت قيادة خامنئي، أصبحت معاداة أمريكا هي العلامة المركزية لهوية إيران الثورية، وبالتأكيد فإنه لا توجد دولة أكثر من إيران تنفق جزء عظيما من مواردها السياسية والمالية المحدودة فى سعيها للإطاحة بالنظام الدولي الذي تقوده أمريكا. من الناحية العملية فإن طهران تُعرف مصالحها في الجانب المضاد لكل مشكلة أمن قومي أمريكي هذه الأيام سواء كان ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا أو التهديد الصيني لتايوان أو الانتشار النووي أو الحرب السيبرانية.

كما شرحت لأعضاء الكونجرس الامريكي مؤخرا، فإن المرء يحتاج فقط لأن ينظر إلى كيف تولدت قناعات عند ڤلاديمير بوتين عندما قام بمغامراته العسكرية الوقحة في چورچيا والقرم وسوريا بدون أي عقاب حتى وصل به الأمر إلى غزو أوكرانيا، ليفهم كيفية قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأفعالها. تمترس إيران العنيد لحماية وكلائها وأتباعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بإلإضافة للانسحاب الأمريكي المهين من أفغانستان، قد رسخ يقين إيران من إمكانية نجاحها جنبا إلى جنب مع انحسار أمريكا الحتمي. هذه الديناميكيات والمتغيرات، هي التي أعاقت محاولات إدارة الرئيس بايدن لإعادة إحياء إتفاق ٢٠١٥ النووي مع إيران الذي انسحب منه دونالد ترامب.

بالرغم من أن البرنامج النووي قد كبَّد إيران ما يزيد على ٢٠٠ مليار دولار فقدتها من منع بيع نفطها وبالرغم من قيام إسرائيل باغتيالات وأعمال تخريب وقحة ضد مواقع طهران النووية، وبالرغم من أنه كل ما زاد إصرار أمريكا على الحل الديبلوماسي، فإن كل هذا إنما تسبب بتناقص إحساس إيران بالضرورة الملحة للتوصل إلى حل وسط. وحتى لو تم إحياء الإتفاق النووي ، فإن نظرة طهران للعالم ستبقى.
إدارات أمريكية متعاقبة حاولت أن تجبر أو تغري إيران أن تتخلى عن روحها الثورجية ولكنها كلها باءت بالفشل.
السبب بسيط: تطبيع العلاقات الأمريكية – الإيرانية قد يزعزع ويهدم أركان الحكومة الكهنوتية التي تم بناء معمارها على أساس ومبادئ محاربة الإمبريالية الأمريكية.
وهنا يكمن اللغز.
الولايات المتحدة الامريكية، كانت تبحث عن طريقة للتشابك والتصالح مع نظام لا يريد التشابك معها، وحاولت أن تعزل نظام حكم يزدهر وينتعش بالانعزال.

ولكن بمرور الوقت، رأينا أن قوة نفوذ النظام الإيراني أكبر من إمكانية تجاهله، وغوغائيته أكبر من إمكانية إصلاحه، ووحشيته أكبر من إمكانية الإطاحة به، وكبر حجمه أكبر من إمكانية احتوائه.

السياسة الأمريكية الصحيحة يجب أن توفق بين الأهداف قصيرة المدى لمجابهة طموح إيران النووي وتوسعاتها الإقليمية وبدون إعاقة الهدف طويل الأمد الذي هو نظام حكم يمثل كل الإيرانيين ويكون هدفها تحقيق مصالح شعبه بدلا من العقيدة الثورجية التي تخص حكامها فقط.

الخيار الصفري في نظرة نخب إيران للعالم
*
انفتاح البلاد على العالم سيجلب المنافسة التي ستهدم المصالح الخاصة لجماعات مافيا النظام العديدة.
بالنسبة للكثيرين من الإيرانيين داخل النخب السياسية والعسكرية الضالعين في معارك السيطرة على السلطة فإنهم لا يخوضونها من أجل العقائد الثورجية أو من أجل الإسلام ولكن من أجل السيطرة على موارد وثروات البلاد الضخمة.

في بداية الثورة، “كانت ٨٠٪؜ من نسبة عامة الناس وطبقات النظام التي فوقهم من المتشربين بعواطف الإيمان- مع الجهل بحقائق الحياة والواقع في العالم- و ٢٠٪؜ من الدجالين المشعوذين والحرباوات المتلونين” على حسب ما قال لي بروفيسور داخل البلاد الذي رأى طلابه يترفعون في درجات السلم الوظيفي إلى الأعالي.
“هذه الأيام اقتلبت الآية للنقيض: ٢٠٪؜ من المؤمنين، و ٨٠٪؜ من الدجالين الذين يلتصقون بكبار الموظفين من أجل الإثراء والامتيازات.”

سياسة أمريكا تجاه إيران لسنين عديدة واجهت مفارقة لم تكن مفهومة جيدا:
سياسات الإخضاع التي احتاجت لها أمريكا لمجابهة طموحات إيران النووية وتوسعاتها الاقليمية- أي المقاطعة والعقوبات- كان عن غير قصد تخدم تقوية، وليس إضعاف، إحكام قبضة النظام على السلطة.
عندما حاول ترامب إغراء كيم چونج- أون برؤية الثروات التي يمكن أن تجنيها بلاده __ “يمكنك أن تبني أفضل الفنادق في العالم في هذا المكان بالذات” ___ لم يحفز هذا العرض رئيس كوريا الشمالية لإنهاء برنامجه النووي.
هناك غالبا شد وضغط أساسي بين المصلحة الشخصية للديكتاتوريين ومصلحة شعوبهم التي يحكمونها.

بالرغم من أن العقوبات والمقاطعة تكبد الأمم المناوئة تكاليف غالية، إلا أنها وبحد ذاتها- باستثناء جنوب أفريقيا- لم تفلح بالإطاحة بنظام سلطة ديكتاتوري من كرسي السلطة. في الواقع في أن بعضهم استفادوا من العزلة السياسية.

الممثل شون پِن Sean Penn الذي قابل ديكتاتور كوبا الراحل فيدل كاسترو، قال لي ذات مرة ونحن على مائدة حفلة عشاء كنا نحضرها سويا: “فيدل كان يعجبه أن ينكت على حكاية أنه إذا ما قررت أمريكا إنهاء مقاطعتها لكوبا فإنه سيستفزها في اليوم التالي لتعيد العقوبات وتعود للمقاطعة. كان يفهم أن قوته داخل البلاد يجب أن تكون محمية بفقاعة أو علاف،” محمية من الرأسمالية العالمية ومن المجتمع المدني.

مثله مثل كاسترو، فإن السيد خامنئي يفهم أيضا أن الخطر الأعظم على نظامه الكهنوتي ليس العزلة الدولية ولكن الاندماج مع العالم. عندما يكون الانعزال منهكا ومرهقا، فإن السيد خامنئي سيكون راغبا ليضع بالاعتبار صفقة تكتيكية تقوم بوظيفة فتح صمام التنفيس عن الضغط.
الوضع المثالي للسيد خامنئي هو أنه لا يريد أن يكون نسخة من كوريا الشمالية ولا من دبي. يريد أن يكون قادرا على بيع النفط الإيراني في الأسواق العالمية بدون مقاطعة ولكنه لا يريد أن تكون مندمجة تماما في النظام الدولي.

رئيس إيران السابق، محمد خاتمي، قال لي ذات مرة أن السيد خامنئي اعتاد أن يخبره أن الجمهورية الإسلامية تحتاج عداوة أمريكا. السيد خامنئي لم يحاول أبدا إخفاء ارتيابه بالولايات المتحدة، فقد قال في ٢٠١٩: “بالنسبة لأمريكا، لا يمكن حل أي مشكلة والتفاوض معها لا علاقة لها بالخسائر الاقتصادية والروحية.”
بينما عداوة السيد خامنئي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بلا شك جدية وحقيقية إلا أنها أيضا تخدم مصلحته الشخصية. التزامه بالمبادئ الأساسية للثورة محصنة بدروع.
التنازل عن أي من هذه المبادئ الاساسية يمكن أن ينخر أساسات التضامن الجمعي الذي تحدث عنها إبن خلدون في الماضي البعيد عندما وضع ملاحظاته عن طول عمر أي نظام حكم.

إريك هوفر Eric Hoffer، الفيلسوف الأمريكي وصَّف هذه الحالة بإيجاز في كتابه، “المؤمن الحقيقي: الأفكار عن الحركات الجمعية”: عندما قال:
“الكراهية هي الشيئ الأكثر جاهزية وفي متناول اليد والأكثر اكتمالا من بين كل العوامل التي توحد الناس،”
ثم أضاف: “الحركات الجمعية تستطيع النهوض والانتشار بدون الإيمان بالله، لكنها لن تستطيع أبدا بدون الاعتقاد بالشيطان.”

سؤال.
لو كانت النخب الثورجية الإيرانية قد ازدهرت في ظل العزلة النسبية، فلماذا لا تقوم الولايات المتحدة الامريكية بكل بساطة بإعادة العلاقات معها؟
توجد داخل هذا السؤال فرضية أن أمريكا عندها القدرة على تطبيع العلاقات من جهتها ومنفردة، وأن إيران ليس بيدها أن تقبل أو ترفض.

على عكس ما كان يدور أثناء الحرب الباردة، عندما كانت مع الولايات المتحدة علاقات مستمرة في موسكو ومعها آلاف المتخصصين في الشؤون الروسية، إلا أن الحكومة الامريكية كانت غائبة عن إيران منذ احتلال سفارتها في طهران عام ١٩٧٩ ولا يوجد لديها خبراء في الشؤون الإيرانية يمكن أن تفتخر بهم.
هذا الاغتراب وانعدام الفهم، عمل على تغذية حالة “النرجسية الاستراتيجية” وهو المصطلح الذي أتى به مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق هـ. ر. ماكماستر H.R. McMaster. النرجسية الاستراتيجية هي ” الميل لإدراك وفهم أحداث العالم بصورة أساسية من خلال منشور زجاجي prism للتصرفات الأمريكية.

الليبراليون غالبا ما يجادلوا بأن الاقتراب والتشابك مع إيران يمكن أن يجعل عقيدتها الثورجية أكثر نعومة ويمكن أن يقوي عناصر النظام المعتدلة.
المحافظون يجادلون بأن المقاربة الأمريكية الأكثر خشونة يمكن أن تقوم إما بإجبار إيران على التخلي عن عقيدتها الثورجية وإلا فإنها ستخاطر بانفجار النظام من الداخل.
ولا واحدة من المقاربتين، عندما استعملت وحدها، نجحت.

منذ ١٩٧٩، فإن كل إدارة أمريكية- باستثناء جورج بوش الإبن- قد حاولت تحسين علاقتها مع إيران.
چيمي كارتر، حاول بناء جسور ثقة مع النظام الإيراني الثوري الجديد بمشاركتهم بمعلومات استخبارية- التي لم يكترثوا بها- عن نوايا صدام حسين في العراق وتخطيطه لغزو إيران.
رونالد ريجان أرسل ثلاث رسائل لحكومة إيران ولم يتلق أي رد على أي منهن.
جورج بوش الأب، وجه إشارة لإيران في خطاب حفل تنصيبه الرئاسي بأن “حسن النية يلد حسن نية”.
بيل كلينتون كان يأمل بمقابلة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في مبنى الأمم المتحدة عام ٢٠٠٠.
باراك أوباما كتب عدة رسائل للسيد خامنئي الذي كان كل ما استجاب به هو أن عى أمريكا ” التوقف عن أن تكون استعمارية متنكرة،” كما ذكر السيد أوباما في أحدث كتبه عن ذكرياته.
حتى دونالد ترمب- الذي قامت إدارته باغتيال قاسم سليماني الإيراني في ٢٠٢٠- قدم ثمانية طلبات على الأقل لمقابلة الرئيس حسن روحاني على حد قول أحد المسؤولين الايرانيين.

وعلى عكس كل ذلك، لا يوجد مثال وحيد معروف على طلب للمرشد الأعلى بادر فيه علنا أو سرا للحوار مع المسؤولين الأمريكيين على أمل تطبيع العلاقات. في وقت قريب جدا، قام بمنع ديبلوماسييه من مقابلة المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يشتغلون على مفاوضات الملف النووي.. السيد خامنئي يدرك أن التقارب مع الولايات المتحدة يشكل تهديدا وجوديا عليه أكبر من الحرب الباردة المستمرة.

أخطاء أمريكا كارثية
*
ولإحقاق الحق فإن الولايات المتحدة الامريكية ارتكبت أيضا أخطاء كارثية.
حرب ٢٠٠٣ على العراق نتج عنها انتشار الكهنوتية الشيعية إلى العراق وسهلت صعود وعلو نجم إيران الإقليمي.
العاقبة الكبرى لانسحاب إدارة ترامب الأحادي من الإتفاق النووي في ٢٠١٨ هي إيران ببرنامج نووي أكثر تقدما.

لو أن محاولات أمريكا للتقارب والتشابك مع إيران قد انتهت بدون أي تجاوب، ولو أن محاولات أمريكا لإخضاع إيران قد جاءت بنتائج عكسية، فأين يضعنا كل هذا؟

لا توجد طلقة سحرية يمكنها تغيير طبيعة النظام الإيراني أو العلاقات الأمريكية – الإيرانية.
توجد أمثلة قليلة على موافقة إيران على حلول وسط ذات معنى، ولكن فإنها تقريبا كلها كانت تحت ظروف مشابهة: مزيج من ضغوط عالمية مستمرة وديبلوماسية صارمة من قبل أمريكا، لتحقيق قرار محدد. في حالة الإتفاق النووي، كان ذلك هو تقييد وليس إزالة النشاط النووي.

وبنفس هذه الوصفة يجب تطبيقها للحد من- وليس الامتناع عن توسيع نفوذها داخل دول الشرق الأوسط.

روبرت كوبر Robert Cooper, الديبلوماسي أوروبي المرموق، الذي فاوض إيران، يحث على الصبر الإستراتيجي.
“القوى الثورية لا تفكر بنفس طريقتنا”، هذا ما قاله لي..
“إنهم لا يريدون مكانة أعلى في هذا العالم؛ إنهم يريدون تغيير العالم. ليس من الجيد أن تعتقد بأنه يمكنك تغييرهم، لكن قد تأتي لحظة ويساورهم الشكوك أو يتخلصوا من ثورتهم بأنفسهم … وعندئذ يمكنك أن تبدأ شيئا ما.”

السيد خامنئي لم يبد علنا أي شكوك، ولكنه كان قادرا في بعض الأحيان بإجراء تنازلات تكتيكية لحلول وسط عندما كان يشعر بمخاوف أن استمرار وجود نظامه على المحك، وأن هناك ممرا آمنا للتراجع.

ويليام بيرنز، William J. Burns، مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية وأحد الديبلوماسيين الذين هندسوا إتفاق ٢٠١٥ النووي مع إيران، كتب أن الإتفاق كان نتيجة فقس بيض أو توليد “ديبلوماسية بذهن صارم مدعومة بعقوبات اقتصادية، وأوراق ضغط سياسية لتوافق دولي، وأوراق ضغط عسكرية بامكانية استعمال القوة.”
دبلوماسية هذه الأيام ليست بذهنية صارمة، والعقوبات لا تنفذ بصرامة، ويصعب الحصول على توافق دولي، وتبدو طهران على أنها مقتنعة بأن الرئيس بايدن لا توجد عنده أي اهتمامات بخوض أي صراع في الشرق الأوسط.

نظام إيران مريض
*
نظام رجال الدين الذي حكم إيران خلال العقود الأربعة الماضية في حالة مرضية نهائية وينازع، ولكنه مستمر بالعرازة والتصلب، وهذا بسبب أنه بلا بدائل قابلة للحياة ولو جزئية.
لا يمكن للنظام أن يجري إصلاحات ذات معنى بسبب مخاوفه التي تقوم على أسباب لها أساسها يمكن أن تسرع بعملية موته.
الأربعة فرسان الذين يتلاعبون باقتصاد إيران ___ التضخم – الفساد – سوء الإدارة – نزف الأدمغة- قد اشتدوا ووصلوا إلى درجة الأمرض المتوطنة.
القواسم المشتركة بين إيران ودوائر نفوذها الإقليمي ___ سوريا – لبنان – اليمن – العراق ___ كلها نماذج للفشل الأمني والاقتصادي والبؤس والأحزان التي بلا حدود.

كرين برينتون Crane Brinton, مؤاف كتابه المؤثر “تشريح الثورة” The Anatomy Of Revolution طرح فكرة أن معظم الثورات تتصرف براديكالية متطرفة، “عهد الرعب” قبل أن تحل فوقها التصرفات الطبيعية.
بالرغم من أن الحماس الثوري قد انحسر من إيران منذ مدة طويلة، إلا أن العودة إلى الحالة العادية الطبيعية مازالت ضربا من الأوهام، جزئيا بسبب القوى المتنعمة والمتخندقة داخل مصالح ومصلحة باستمرارية الوضع الراهن.

هدف السيد خامنئي ومن يشابهه من ثورجيي أبناء جيله — من تبقى من المؤمنين الحقيقيين __ هو تجنب أن تكون إيران بلدا طبيعيا، وتجنب التطبيع مع الولايات المتحدة الامريكية، لأن كل هذا سيحرم الجمهورية الاسلامية من الخصم والعدو الذي ساعدهم للمحافظة تماسك قوات الأمن، و “العصبية” التي كتب عنها إبن خلدون.
بالرغم من أن هذه استراتيجية خاسرة على المدى الطويل، فإن السيد الهرم خامنئي الذي بلغ من العمر عتيا قد اقترب من نهايته الآن.
أولوية السيد خامنئي لم تكن أبدا من أجل مصالح إيران الوطنية ولكنها للحفاظ على وحدة النظام وفي نفس الوقت شق صفوف المجتمع الإقليمي والدولي.

لو كان من الممكن أن نستدل من العقود الأربعة الماضية عن أي شيئ، فسنقول بأن السيد خامنئي ليست عنده النية أو القدرة على تجميع الآراء داخل إيران للحصول على توافق بشأن إعادة إحياء الإتفاق النووي مع امريكا ما لم يشعر أن تماسك النظام يتهاوى، وأن إنهاك المجتمع قد ابتدأ يغذي مشاريع أجيال جديدة تبحث عن استلاب السلطة.
المفارقة هي أن الجمهورية الاسلامية تميل إلى الموافقة على حلول وسطية فقط تحت الضغط الشديد، ومع هذا فإن نفس هذه الضغوط الخارجية والعزلة تساعده على البقاء على قيد الحياة.

هذه هي اللعبة التي يتقنها السيد خامنئي لعدة عقود.

ترجمة: عبدالقادر الجنيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى