يوميات البحث عن الحرية
✍️ عبد العزيز البغدادي
رأي حول بعض أسباب عدم دستورية ما أسمي تعديل قانون السلطة القضائية وقانون استحلال أكل أموال الناس بالباطل تحت مسمى (قانون منع المعاملات الربوية)، وكلما يصدر عن مجلس النواب المنتهية ولايته من قوانين أوتعديلات إلى حين إنهاء الانقسام المدمر في اليمن وانتخاب مجلس نواب جديد انتخاباً ديمقراطياً حراً ونزيهاً.
اتصل بي بعض الزملاء من القضاة والمحامين يستطلعون رأيي حول التعديلات المتعلقة بأهم قوانين مؤسسة العدالة وهو قانون السلطة القضائية، وسألني المتصلون: هل أُخذ رأيي حول الموضوع باعتباري مستشاراً قانونياً للمجلس السياسي الأعلى؟ فأجبت بالنفي.
وقد صدرت التعديلات وتبعها في اليوم التالي تشكيل مجلس القضاء بناءً عليها، وبذلك صارت ملك الرأي العام ومن حق أي مواطن أن يبدي رأيه حولها.
وباعتباري أحد مواطني الجمهورية اليمنية أوجز رأيي فيما يلي:
أولاً: – منذ الحلم بثورة 11 فبراير 2011 والمبادرة الخليجية التي سرقتها وماتبع ذلك من حوارات وانقسامات وعدوان همجي وحروب عبثية أفقدت اليمن الموحد شرعيته، وتقاسمت سلطات الأمر الواقع العبث بهذا البلد منذ حوالي ثلاثة عشر عاماً فقدت اليمن خلالها ما تبقى من سيادتها وفقد المواطن اليمني أسباب العيش الكريم ، ومن المعلوم أن صفة سلطة الأمر الواقع إنما تكون لفترة لا تتجاوز العام.
ثانياً: تتحمل هذه السلطات كامل المسؤولية الوطنية والقانونية والأخلاقية عن المناطق التي تحت سيطرتها منذ بسط سلطتها عليها، وتقوم بواجب حماية المنظومة التشريعية النافذة، وتسعى نحو حوار جاد وصادق مع بقية الأطراف لإنهاء الانقسام والترتيب لانتخاب مجلس نواب حر مستقل وليس موظف لدى أي سلطة سياسية أو تنفيذية.
ثالثاً: لمجلس النواب المنتخب وحده وبكامل حريته ممارسة صلاحيات السلطة التشريعية والرقابية المستمدة من الدستور المستفتى عليه، أو إجراء أي تعديلات ضرورية وفق دراسة مسؤولة وجادة.
رابعاً : وحيث أن سلطات الأمر الواقع مؤقتة فإنها لكي تبرهن على الإحساس بمسؤوليتها تجاه اليمن والإنسان اليمني يجب تسعى بجد للحوار والاستعداد لاجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة تمارس كامل صلاحياتها الدستورية والقانونية واحترام مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة على كامل اليمن حقناً لدماء اليمنيين واستعادة لكرامتهم التي اهدرت بفعل كل هذا الاستلاب للخارج ، وتسول الشرعية من خارج حدود الوطن وبخاصة ممن يعرف اليمنيون أنها عدوه التاريخي على الأقل حتى تبدأ صفحة جديدة من حسن الجوار وأقصد المملكة العربية السعودية وتالياً الإمارات التي تتطاول على اليمن أيما تطاول مستغلة هذا الانقسام المخزي !!.
ومع إيماني بحرية الفكر والرأي للجميع وأهمية ممارسة منظمات المجتمع المدني لنشاطها بشكل فعال يدعم أداء السلطة لواجباتها ويساعد في تقويم أي إعوجاج في عملها، فإنني أرى أن بيان منتدى قاضيات اليمن أكثر حصافة ورزانة من بقية البيانات بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع بعض بنوده.
خامساً: – أعتقد أن مسؤولية ما حدث ويحدث من استهانة بقدسية الدستور والقوانين والتلاعب بهما يقع على عدة أطراف في طليعتها:
1- مجلس النواب – من البديهي أنه المسؤول الأول عن إصدار أي قانون باعتباره السلطة التشريعية ، والمجلس الحالي تقع عليه المسؤولية من جهتين الأولى قبوله تمرير هذا القانون وقبله ما يسمى : (قانون منع المعاملات الربوية ) أو أي قوانين أو تعديلات ، ومن جهة ثانية أن شرعيته منتهية منذ أكثر من عشرين عام ومفهوم روح نص المادة التي تقول بأنه إذا حالت ظروف دون إجراء الانتخابات في موعدها تمدد مدة بقاء المجلس الحالي حتى زوال الظرف الطارئ ، وينبغي أن لا تتجاوز مدة التمديد ستة أشهرأو عام بالكثير كما في جميع دول العالم أي أن المجلس منذ ذلك الحين بات حكمه حكم سلطات الأمر الواقع وعليه مراعاة ذلك وعدم القيام بما لايملك .
2- مُعد المشروع: – من الواضح أن هدفه تحقيق رغبات ليست مهتمة باحترام مبدأ الشرعية والمشروعية ولا بوحدة اليمن، أوردود الأفعال تجاه التعديل الغريب عن بيئة القانون.
3- القضاة: حكمت عقول كثير منهم على مدى عقود النرجسية التي تقتل الضمير والوجدان، وجعلوا العدالة مفهوماً قابلاً للاحتواء والتملك ولم يروا أخطائهم مثل رؤيتهم أخطاء الآخرين، وبئس المسلك خاصة حينما يكون سالكه قاضياً يفترض أن لديه القدرة على التمييز بين الحق والباطل وشجاعة في اتباع طريق العدل والحرية مهما كانت التبعات، ومن المؤكد أن اعتبار سلطة القضاء دائرة مغلقة يتحكم فيها لوبي يمثل مصالح العاملين فيها مسلك كارثي ومثل هذه التعديلات والقوانين إحدى ثماره !!.
ومع ذلك فهذا المسلك لا يعطي سلطة الأمر الواقع ولا أي توجه سياسي أو أيديولوجي الحق بأن يرثوا ما استولت عليه الدائرة المغلقة لتنقلها الى دائرة أكثر انغلاقا، فكلاهما مسلك خطر ويمس بنية الدولة في الصميم .
4- المحامون : منذ صدور قانون المحاماة وعلى مدى عقود لم يدفعوا بعمل النقابة الى مستوى النقابات التي فرضت حضورها في الساحة الحقوقية والقانونية بل والوطنية الى المستوى الذي يليق بمهنة المحاماة كمهنة علمية حرة ، والمحامون شركاء القضاة في تحقيق العدالة وليسوا مجرد عون في ذلك كما يرى البعض ، والفرق واضح بين المعين والشريك ، فالمعين قد ينصرف مفهومه الى التبعية للقاضي وكأن العدالة مرتبطة بقناعته وليست عمل تشاركي أساسه اعمال العقل في البحث واستجلاء أساليب ومتطلبات احترام الدستور والقوانين كمبدأ يتأسس عليه استقلال القضاء والقضاة ، وبعض القضاة والمحامين مع الأسف الشديد يفهمون ذلك بصورة تخالف جوهر العدالة ومتطلباتها ، مع التقدير لكل جهد قامت به النقابة في الدفاع عن المحامين أياً كان حجمه والتضامن معهم ضد كل الانتهاكات التي واجهوها وما أكثرها ومنها ما يشكله هذا التعديل من خطر على مكانة مهنة المحاماة عند من يقدرها حق قدرها .
في البحث عن الحل:
هذا العنوان الفرعي يوضح أن التعديلات خلقت مشكلة أشرت إليها في المقدمة ولكن: –
إذا كانت المشكلة قد بنيت على خطأ الاستعجال في سلق القوانين كما اؤكد باستمرار وهوعمل أقل ما يوصف به أنه غير موفق، فهل من المناسب مواجهة التعديلات المستعجلة بمجرد بيانات ومواقف مستعجلة؟ أم أن الحكمة تقتضي البحث عن حل جذري حقيقي يتضمن:
أولاً: – تقوم نخبة من القضاة والمحامين بدراسة التعديلات بتأن لأن ردود الأفعال والحلول المستعجلة لا تؤدي إلا الى نتائج أكثر سوءاً مما تسببت به التعديلات المستعجلة، قد يرى البعض أن أوان ذلك قد فات ووقع الفأس في الرأس، والرد يمكن تبسيطه في أن رأس الدولة أو سلطاتها المؤسسة ليس كرأس المواطن الفرد، وكل خطأ يمكن تصحيحه في أي وقت المهم وجود إرادة التصحيح.
ثانياً :- على ضوء الدراسة المتأنية للتعديلات تتخذ الإجراءات والمواقف المناسبة تأسيساً على مبدأ عدم جواز إصدار أي تشريعات في هذه المرحلة ناهيك عن كونها تمس استقلال القضاء وتشرعن للسلطة التنفيذية التدخل في شئونه ، ومن المؤكد أن المطلوب رفد مؤسسة القضاء بالكوادر المؤهلة الحاصلة على شهادة رسمية من كليات الحقوق أو الشريعة والقانون المعتبرة وفي المقدمة المحامين بعد تصحيح أوضاع المهنة والنقابة طبعاً كما في بلدان العالم المتمدن ، لأن المحامين يوصفون بالقضاء الواقف وليس بناءً على معايير مطاطة قابلة لتأويلات غير منضبطة ، فالإجازة من أفراد يطلق عليهم علماء لم تعد مستساغة لتغير الظروف ، والقانون والشريعة قواعد وأصول معروفة ومحترمة لدى جميع الدول التي تقيم للعدالة وزنها وتحترم الحقوق والحريات ، وتُعمل ذلك على أساس من العلم بالقانون ومبادئ الدستور .
عبد العزيز البغدادي
17/ سبتمبر /2024
سبتمبر 19, 2024 /
من صفحة الفيسبوك نقابة المحامين اليمن