حرب غزه-غرور القوة امام قوة الاراده والنهاية المتوقعه:
أ د / دحان النجار
هجوم حماس المباغت على اسرائيل في السابع من اكتوبر الحالي (طوفان الاقصى) اظهر ضعف الجانب الاسرائيلي عسكريا واستخباراتيا وجماهيريا وكسر اسطورة الجيش الذي لا يقهر ، وفي المقابل كان مغامره كبيره امام قوة عسكريه ضاربه بيد قيادة سياسية متشدده يقف من ورائها تحالف غربي يعتبرها قوته المتقدمه في المنطقه ويشملها بحمايته العسكريه والسياسية والاقتصادية.
ومن الواضح ان المعادله العسكريه في المنطقه بدأت في التغيير لصالح قوى المقاومة منذ تحرير جنوب لبنان عام الفين (٢٠٠٠م)في انسحاب مذل للجيش الاسرائيلي وعملائه المحليين فيما كان يسمى دولة جنوب لبنان وهي الهزيمه العسكريه الاولى التي تتلقاها اسرائل وتنسحب ليس بشروطها بل بشروط المقاومة.
الجيوش الضاربة وبكل جبروت آلياتها العسكريه واسلحتها المتطوره تظهر عاجزه امام حرب العصابات التحرريه التي تمتلك قوة الاراده وقوة الحق في آن واحد ولنا في الثورتين الجزائرية والفيتنامية خير مثال على ذلك حيث تهشمت جيوش دول كبرى استخدمت كل عنفها وجبروتها وقتل الملايين من المدنيين لكن النهاية كانت واضحه وهي انتصار المقاوم صاحب الحق ومالك الاراده من اجل استعادة ذلك الحق.
المقاومة الفلسطينية بمختلف مسمياتها تقاتل من اجل استعادة حقها الوطني المسلوب وامتلكت الاراده بان تعمل على استعادته دون الاعتماد على الجيوش العربيه او السلطات الرسميه المقيده باتفاقيات دوليه وثنائيه لا تُحترم من قبل الطرف الاخر.
الحكومه الاسرائيليه المتطرفه بقيادة نتنياهو قررت القضاء على القضية الفلسطينية وعدم السماح بقيام الدولة الفلسطينية المستقله على اراضي ٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية عن طريق التهام الضفه الغربيه بواسطة المستوطنين وحشر قطاع غزه في زاويه ضيقه اشبه بالسجن الكبير فلا هو يمتلك مقومات دوله جغرافيا واقتصاديا ولا يستطيع مقاومة جيش من اقوى جيوش العالم تسنده قوة دوليه هي الاكبر والاشرس على المسرح الدولي . الفلسطينيين لا خيار امامهم غير خيار مقاومة تصفية قضيتهم بما فيها خيار المقاومة المسلحة والتي يجب ان تتجنب الحاق الاذا بالمدنيين من كل الاطراف لأن الحاق الضرر بالمدنيين حتى لو كان باسم التحرير يعتبر عمل غير انساني منافي للقوانين الانسانية الدولية ومدان بكل اللغات والمفاهيم.
كان هجوم حماس مفاجيء ومهين للجانب الاسرائيلي استخباراتيا وعسكريا وسياسيا ومكن حماس من الامساك باوراق عديده للضغط على إسرائيل ومنها :
١.القدره العسكريه الدفاعيه والهجوميه التي احرجت اسرائيل بعدم قدرتها على حماية حدودها ومعسكراتها ومدنها ومستوطناتها واهم مراكزها الحساسه بما في ذلك مفاعل ديمونه النووي. الهدف الذي وضعته اسرائيل بعد هجوم السابع من اكتوبر الحالي وهو اجتثاث حماس وكتائب القسام يبدو مستحيلا واعادة احتلال غزه مستحيلا لان ذلك سوف يكلفها الكثير ، فعلى مدى ٢٣ يوم من المعارك لا تزال حماس تقاوم وتهاجم وسوف تستمر وخلال هذه الفترة ارتكبت اسرائيل مجازر بحق المدنيين احرجتها واحرجت حلفائها امام الراي العام المحلي في شعوبهم والراي العام العالمي بشكل عام الامر الذي دفع الامم المتحده والدول الخليفه لاسرائيل بمطالبتها باحترام قواعد القانون الدولي الانساني في حماية المدنيين اثناء النزاعات المسلحة ، وفي حال ارادت اسرائيل تنفيذ هدفها باجتثاث حماس افتراضا لن يتم ذلك إلا بالمزيد من القتل والتدمير للفلسطينيين وفي هذه الحالة لم يكون جيشها وشعبها في منأى من الخسائر البشريه وفي الامكانيات العسكريه والاقتصادية.
٢.الحرب الشامله على حماس بقصد اجتثاثها قد تقود الى حرب اقليمية مع حلفائها واولهم حزب الله في جنوب لبنان وهو الامر الذي تخشاه كل الاطراف لانها سوف تكون حرب مدمره ليس كما سابقاتها وخاصه في استعداد اطرافها ومسانديهم الاقليميين والدوليين بشكل اكبر من الفترات الماضيه وهو المستنقع الذي لا يمكن الغرق فيه ان وجد هناك سبيل لتجنبه وهو ما تقوم به اطرافه الى الان المتمثله باسرائيل وحلفائها و اطراف المقاومة وحلفائها او دول المنطقة الملاصقة لفلسطين ولبنان .
٣.قضية الاسراء والمختطفين : هذه القضية اعطت افضليه لحماس في الحوار بشروط تفرضها هي واحرجت الجانب الاسرائيلي جماهيريا حيث ان اخفاقه الامني في حماية مواطنيه عرضه لسقوط شعبيته في الداخل حيث اشارة استطلاعات الراي العام ان ٥٠٪ من الاسرائليين لا يؤيدون الحرب الحاليه وهي سابقه خطيره في اسرائيل لم تحصل من قبل. اضف الى ذلك الاحراج الذي شكله المختطفين المفرج عنهم والذين عبروا عن التعامل الانساني اللائق من قبل الخاطفين واعطاء صورة مغايره للدعاية الاسرائلية حول وحشية وقساوة بمن تسميهم بالارهابيين.
٤.استمرار حماس في ضرب المدن الاسرائيلية وكذلك تهديد حزب الله وفصائل مقاومة اخرى لإسرائيل من الشمال دفعت السلطات الى اجلاء ما لا يقل عن نصف مليون مواطن اسرائيلي عن قراهم ومدنهم وهذا يحصل لاول مره في تاريخ الدولة اليهودية الامر متحدا مع بقية العوامل الذي دفع الكثيرين بالهجرة الى خارج البلاد بما له من تبعات سلبية على الاقتصاد والامن ومستقبل الدولة .
٥.الضفة الغربية برميل بارود متفجر ومع اطالة امد المعركة قد ينفجر بشكل اكبر واضف الى ذلك عرب ٤٨ وارتباط مصيرهم بمصير إخوانهم الفلسطيينين وجوديا وهو ما يشكل هاجسا امنيا لإسرائيل لا يمكن اهماله.
٦.رفض دول الجوار العربيه لاستقبال الفلسطينيين المهجرين برغم الترغيب والترهيب شكل عبىء آخر علىً إسرائيل واسقط مشروع التهجير لسكان غزه التي أُريد لها ان تكون مساحة خاليه من السكان حتى يتم ترتيب اوضاعها بما يتناسب ومتطلبات الامن الاسرائيلية.
استخدام القوة المفرطه في غزه ادى الى تدمير ٨٠ الف منزل منها ٣٢ الف تدمير كلي وقتل اكثر ٨ الف فلسطيني وجرح اكثر ٢٠ الف انسان من اطفال ونساء ومدنيين الى اليوم واستهداف المشافي والمدارس والكنائس والمساجد قد شوه صورة اسرائيل عالميا وخرجت المظاهرات في مختلف عواصم العالم ومدنه بما فيها ذلك تلك العواصم الداعمه لإسرائيل بشكل مطلق تستنكر قتل المدنيين الفلسطينيين قد شكل عامل احراج كبير لاسرائيل وحلفائها والأمم المتحده الذين بدأوا يصرحون علنا بان على اسرائيل ان تحترم القوانين الدوليه التي تحمي المدنيين اثناء الحروب والسماح بدخول المساعدات الانسانية وفك الحصار الخانق على القطاع كل ذلك يجعل الطرف الاسرائيلي الى التفكير بمراجعة مواقفه قبل التعرض لاحداث كارثية وعزله عالمية غيرمسبوقه .
٧.اشتعال معركة متعددة الاطراف في الشرق الاوسط سوف تشكل عبىء كبير على المجتمع الدولي يضاف الى الاعباء القائمة الان في اوكرانيا وغيرها من المناطق الملتهبه في العالم وهو الامر الذي قد يقود الى كارثة عسكريه واقتصاديه وسياسية واجتماعية يصعب التحكم بها ومن الافضل عدم الدفع بها الى الامام .
الخلاصة:
اتوقع بان الحرب الاقليمية الشامله سيتم تجنبها من الجميع وسوف تستمر اسرائيل بتشديد هجماتها على القطاع لتحقيق بعض الاختراقات على الارض وتوجيه ضربات موجعه لقوات حماس واكثر منها ضربات موجعه للأحياء والمدن الفلسطينية من اجل اقناع جمهورها الداخلي بتحقيق نصر على حماس وفي الاخير سوف تذهب الى محادثات علنيه او سريه لوقف اطلاق النار وتبادل الاسرى والمختطفين مقابل ضمانات غربية بحماية الدولة من اي اعتداء وتعويضها ماديا ثمنا لتراجعها عن هدفها المعلن باجتثاث حماس نهائيا واستبدالها بنظام مقبول في قطاع غزه.
الارتدادات الداخليه في إسرائيل سوف تبرز بعد وقوف المعركة واكيد سوف تقود الى سقوط حكومة نتنياهو المتطرفه وقد يتعرض للمحاكمة واسرائيل كدولة دخلت في مرحلة جديده من حياتها ستكون لها افرازات ليس لصالحها، والمجتمع الدولي سوف يلتفت الى قضية الحل على اساس قيام الدولتين كوسيلة لتجنب تكرار عمليه مستقبلية شبيهه بعلية ٧ اكتوبر ٢٠٢٤م ( طوفان الاقصى).
ويضل احتمال التصعيد قائم وغير مستبعد في اشتعال حرب اقليمية شاملة او جزئيه لان لكل قاعدة استثناء طبقا لظرف الزمان والمكان ونتمنى ان لا يحدث ذلك.
د.دحان النجار
ديربورن ميشجان ٢٩ اكتوبر ٢٠٢٣م