حرب روسيا واوكرانيا-سقوط نظام الاسد وإحباط نوايا ترامب وبوتين
✍️ أ د / دحان النجار
الأوضاع في أوكرانيا وسوريا مترابطة مع بعضها بشكل كبير واي تقدم او تراجع في سوريا يعكس نفسه على الوضع في أوكرانيا،اي طرف من اطراف الحرب يريد اضعاف او هزيمة خصمه لا يتم ذلك من خلال المواجهة المباشرة فقط بل من خلال الأذرع الخارجية والحلفاء ومناطق النفود.
الاهداف التي سجلها حلف الناتو في سوريا ممثل بتركيا والولايات المتحدة ضد روسيا والرئيس بوتين سوف تعكس نفسها على الوضع في الجبهة الاوكرانية وفي مناطق النفوذ الاخرى ليس لصالح روسيا.
من المعروف ان الر ئيس ترامب كانت له تصريحات في رئاسته الاولى تشير إلى رغبته في سحب القوات الأمريكية من سوريا وربما كان سيقوم بذلك خلال تسلمه مقاليد السلطة في البيت الأبيض في يناير القادم .
اسقاط نطام الاسد ارادت فيه ادارة بايدن تعقيد المشهد هناك كي لا يقدم الرئيس المنتخب ترامب على الانسحاب لان هناك فراغ وواقع جديد تشكل قد تغطيه القوى المتطرفة الامر الذي يتطلب بقاء القوات الأمريكية لدعم الحلفاء ومن اجل مواجهتها. تجدر الاشارة إلى ان الادارة الأمريكية عبر وزارة الدفاع كانت تؤكد بان هناك قوة أمريكية رمزية لا زالت في الاراضي السورية قوامها تسعمائة مقاتل وقبل يومين تعترف بان عددها الفي مقاتل وربما يكون الرقم اكبر.
الرئيس ترامب في احد تصريحاته الايام الفائتة تكلم صراحة بان دخول تركيا إلى سوريا كان بشكل غير ودي وهذه إشارة إلى امكانية بقاء القوات الأمريكية في سوريا لمواجهة اي تطورات ناتجة عن هذا الدخول الغير ودي.
الرئيس ترامب كان يلمح إلى وقف الحرب الروسية الاوكرانية وكان من المحتمل ان تتم المقايضة بين سوريا واوكرانيا اي ان تقدم الولايات المتحدة الأمريكية تنازلا في أوكرانيا لصالح روسيا بوقف اطلاق النار ربما على اساس الوضع القائم الحالي وعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو والاتحاد الاوروبي مقابل تنازل روسيا عن نظام الاسد في سوريا. ادارة بايدن وبالإتفاق مع تركيا عملت على اسقاط نظام الاسد قبل قدوم الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض الذي كان ينوي مراجعة الحرب الروسية الاوكرانية كما أُشيع وسلبه الورقة السورية ومنع اي مقايضة وابقا جبهة أوكرانيا ساخنة لا يستطيع اطفائها بسهولة وبسرعة.
الرئيس بوتين خسر ورقة الضغط السورية واصبح موقفه اضعف مع أوكرانيا وسوف يتعرض لضغط معاكس في الجبهة الاوكرانية ، ومن المعروف ان أوكرانيا ساعدت المعارضة السورية في اسقاط نظام الاسد حليف موسكو وبهذه الحالة سجلت هدف في مرمى روسيا سوف يؤثر على النتيجة النهائية للصراع.
اما تركيا اردوغان فقد وجّهت طعنة من الخلف لروسيا بوتين من خلال دعمها للمعارضة وإسقاط حليفها في المنطقة نظام الاسد وما يترتب على هذا السقوط من نتائج سياسية واقتصادية وعسكرية حتى وان حاولت التهدئة والتقليل من امر ما حصل لان لغة المنتصر العاقل يجب ان تكون حذرة ومطمئنة للطرف الخاسر.
خط الغاز من الخليج إلى أوروبا عبر تركيا وهو المنافس للغاز الروسي اصبح اليوم احتمال وارد دون عوائق واصبح غاز شرق المتوسط بعيدا عن التأثير والتحكم الروسي وهو الاخر مصدر جديد للمنافسة في الأسواق الأوروبية ناهيك عن حرمان روسيا من الاستثمار في سوريا في مختلف المجالات وهي ضربة اقتصادية اشبه بما حصل لخط الغاز الشمالي نورد ستريم٢ والفرق ان الأخير كان قيد التشغيل.
سياسيا كما اشرنا اصبح التأثير الروسي على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اضعف بكثير مما كان عليه قبل سقوط نظام الأسد وحتى جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية اصبح التواجد الروسي هناك اضعف بعد ان كانت قوات فاغنر تتلقى الدعم والمساعدة من القواعد الروسية في سوريا القريبة جغرافيا وهذه خسارة استراتيجية.
روسيا لن تغفر لتركيا بقيادة اردوغان اقتلاع تأثيرها وخسارة مصالحها في روسيا والمنطقة وإن تجاهلت ذلك الان بحكم حربها مع أوكرانيا إلا انها مستقبلا لن تغفل ولم تغفر ما حصل إلا إذا قدمت تركيا وحلفائها في دمشق والولايات المتحدة الأمريكية بعض التنازلات تجاه القواعد والمصالح الروسية في سوريا وفي الحرب الروسية الاوكرانية.
ومن المحتمل ان تُحاصر روسيا من جهة روسيا البيضا حليفها الاستراتيجي الوحيد في شرق أوروبا من خلال تشجيع المعارضة فيها لاسقاط النظام القائم او قيام الجيش بانقلاب عسكري يقود إلى اخراجها من حلفها مع روسيا وهي الحلقة المحتملة بعد الحلقة السورية مع ان هناك نقاط اخرى على الحدود الروسية قد يتم تسخينها مستقبلا في وسط اسيا والقوقاز ولا يستبعد ان يقوم الجيش الروسي بانقلاب في موسكو ايضا.
صحيح ان روسيا من ناحية اقتصادية اوجدت اسواق بديلة لسلعتها التصديرية الرئيسية النفط والغاز وحققت فائض تجاري في العام ٢٠٢٤ يقدر بنحو ١٥٠ مليار دولار وعملتها الروبل مستقرة إلا ان ذلك لا يعني عدم خسارة السوق الأوروبية التقليدية والتبعات الاقتصادية المستقبلية لخسارتها نفوذها في سوريا والشرق الأوسط.
من الناحية العسكرية الى الوقت الراهن روسيا تحقق تقدمات بطيئة في منطقة الدونباس وتلحق خسائر كبيرة بالجيش الاوكراني إلا ان صمود أوكرانيا والمتغيرات الحالية لغير صالحها في سوريا والاحتمالات المشار اليها قد تغير موازين القوى الحالي ، هذا إذا لم يتدخل الرئيس ترامب في اخماد هذه الحرب بين الجارتين روسيا واوكرانيا.
حصيلة كل ما سبق من اسقاط حليف روسيا الأساسي في الشرق الاوسط وهو نظام الاسد واضعاف تأثيرها في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الأفريقية الكبرى هي حصيلة تقود إلى اضعاف موقف روسيا في الحرب مع أوكرانيا ايضا.لكن المفاجاة تظل محتملة في المستقبل إما في إبرام صفقات بين المتحاربين او بين اللاعبين الرئيسيين والمؤثرين على الاحداث اقليميا وعالميا وهذه هي حالة السياسة التي تعبر عنها الأطراف في فن الممكن.
د.دحان النجار
ميشجان ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٤