حرب إسرائيل على غزة – هل اصبح انفجار جبهة الشمال امر حتمي؟
أ د / دحان النجار
منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على غزة وحزب الله يحرك الجبهة الشمالية المساندة من اجل تخفيف الضغط الغير مسبوق والغير متكافىء على القطاع تعبيرا منه عن وحدة محور المقاومة وكذلك تترسخ لديه القناعة بان اسرائيل لن تقف عند حدود القطاع بل قد تعود الى تحريك الجبهة الشمالية التي تقلقها من زمن بعيد ولها تجارب مرة معها والهدف النهائى لتنانياهو هو جر المنطقة إلى حرب اقليمية شاملة يتم فيها جر الولايات المتحدة إلى المعركة التي سيكون هدفها النهائي ضرب ايران.
الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن راغبة في معركة اقليمية حاليا بالرغم من التلويح بالحشد العسكري الغير مسبوق في شرق البحر الأبيض المتوسط وكذلك ايران لم تكن راغبة في حرب اقليمية شاملة لانها تعي ما يصبوا اليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو.
القيادة الاسرائيلية لم تحقق هدفها كاملا في معركة غزة بالرغم من التدمير الغير مسبوق للمدن والقرى والمخيمات وأعمال الإبادة الجماعية المرتكبة على مدار عام كامل من الهجمات الوحشية واستخدام كل أنواع الأسلحة والقذائف التدميرية فالمقاومة لا زالت قادرة على توجية ضربات للجيش الاسرائيلي على شكل حرب عصابات وهي اكثر ايلاما للجيوش النظامية. جبهات المساندة من اليمن والعراق كان لها اثرها في اقلاق اسرائيل وحلفائها وحققت ضربا ت مؤلمة اقلها تحقيق اختراقات افقدت النظم الجوية الاعتراضية الاسرائيلية هيبتها وجعلت الاسرائيلين يشعرون بعدم الامان حتى في قلب تل ابيب وهي معادلة اقليمية للردع غير مسبوقة.
اما حزب الله الذي تمكن من تحرير الجنوب اللبناني عام ٢٠٠٠م واسقط دويلة حداد العميلة لإسرائيل واجبر الجيش الاسرائيلي على الانسحاب مهزوما وصمد امام الهجوم الاسرائيلي المدمر عام ٢٠٠٦م واصبح النموذج القيادي لكل اطراف المقاومة ولديه مخزون من الأسلحة التي بامكانها ان تطال كل إسرائيل وتمكن ايضا من تحقيق اختراقات امنية مثل الهدهد واحد والهدهد اثنين فقد انتقل إلى نوع آخر من الحروب وهي الحرب الاستخباراتية ايضا والتي توفر بنك معلومات دقيق يفيد في توجيه ضربات مؤلمة لإسرائيل فيما لو انفجرت المعركة الشاملة .
اسرائيل ايضا لها اذرع استخباراتية قوية تمكنت من اغتيال قادة في حزب الله وفي حماس وايران إلا ان كل تلك العمليات لم تثني حزب الله ولا حلفائه عن مساندة غزة وهي مساندة أقلقت اسرائيل والحقت بها اضرار بالغة اقلها تهجير مائة الف انسان من مواطنيها في الشمال منذ بداية الحرب وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ الدولة الصهيونية. رئيس الحكومة الإسرائيلية وأعوانه لا زالوا يعملون على تفجير الحرب الاقليمية وجر الولايات المتحدة اليها لتحارب نيابة عنهم وتوجيه ضربة لرأس محمور المقاومة وكما يسمونه الاسرائيليون محور الشر ايران. إسرائيل تخشى الدخول البري الى لبنان ولديها قناعة بان جيشها سوف يخسر المعركة البرية وان عمقها سيتعرض للخطر من خلال رد فعل حزب الله وحلفائه ولذلك لجأت إلى العمل الاستخباراتي الغير مسبوق وهو تحويل الأجهزة المدنية إلى سلاح فعال يسلب الطرف الاخر زمام المبادرة وبالفعل عملي تفجير البيجر واجهزة اللاسلكي تعتبر عملية غير مسبوقة وخطيرة وهي توضح فعالية العمل الاستخباراتي وأهميته في الحروب جنبا إلى جنب مع القوة العسكرية بل انه اكثر نجاعة وتأثير على الطرف الاخر باقل الخسائر المادية والبشرية . العمليات الاستخباراتية الناجحة في عمق العدو قبل ان تتسبب في الحاق الاذى المادي هي تتسبب في الحاق الاذى المعنوي وهو الاهم في كسب الحروب دون تضحيات كبيرة .
في الاختراق الحالي والذي لم يكن يخطر على بال احد حققت المخابرات الاسرائيلية ضربة مؤلمة لحزب الله حيث كانت دائما الشكوك تدور حول اختراق الاتصالات وفضح المعلومات السرية وليس في تفجير الأجهزة نفسها بهذه الطريقة الجماعية لكن من الواضح ان حزب الله لديه طواقم مؤسسية وانه سوف يمتص الضربة ويعود إلى ترتيب منظومة اتصالاته بشكل اكثر امان ويستمر في الاستعداد للمواجهة الأشمل مع اسرائيل والتي تبدو وشيكة ان لم يحصل ضغط دولي وبالذات من الولايات المتحدة الأمريكية لتجنبها.
هذا العمل الاستخباراتي الإسرائيلي يؤكد اهمية التكنولوجيا الدقيقة والمعلوماتية في الحروب القادمة حيث بالامكان شل قدرات العدو من خلال اختراق اجهزة الحاسوب او اجهزة الاتصالات او منظومة الكهربا وشرايح المسيرات وغيرها او حتى اختراق اجهزة التوجية للصواريخ والمسيرات واستخدامها كسلاح يرتد إلى نحر صاحبه. وبالتأكيد ان المخابرات الاسرائيلية في عمليتها هذه تلقت التعاون من اجهزة استخباراتية اخرى سوف تكشف الايام القادمة عنها ولا اعتقد بان هذه ستكون عمليتها الاخيرة بل نتوقع مفاجأت اخرى وهو الامر الذي يلمح به القادة الاسرائليون ولا نستبعد ذلك وهنا تكمن قدرات حزب الله وحلفائه على التعلم من هذا الدرس وتحصين نفسه من اي اختراق مستقبلي.
القيادة الاسرائيلية مهدت لهذه العملية بأساليب تمويهية كثيرة ومنها الحشد لعملية عسكرية شاملة مع حزب الله والخلاف بين القيادة السياسية والعسكرية حول هذه العملية وذلك من اجل توجية اهتمام الحزب نحوها وحشد اكبر عدد ممكن من مقاتليه وقياداته لتلقي اشارة الصفر عبر اجهزة البيجر واجهزة اللاسلكي ومن ثم تفجيرها والحاق اكبر ضرر ممكن بمقاتليه وقياداته والاهم في هذا الاختراق ان الضربة المزدوجة في تفجير اجهزة البيجر وبعدها بوقت قصير تفجير اجهزة اللاسلكي في عملية استخباراتية دقيقة تُحتم على الحزب وحلفائه اعادة النظر بكل استراتيجيات عمله الميداني والاستخباراتي وهذا ما سوف يتضح في المستقبل القريب.
والسؤال هنا هل اسرائيل جاهزة لغزو لبنان بريا بعد ان شلت جزء من قدرة حزب الله المعلوماتية الميدانية؟ أنا شخصيا لا استبعد ذلك ولكنني احتمل عدم حدوثها في القريب العاجل لان اسرائيل نفسها سوف تتلقى ضربات من محور المقاومة لا نستطيع توقع مآلتها وخاصة ان كل منظوماتها الدفاعية الجوية لم تستطيع ردع المسيرات والصواريخ اليمنية وصواريخ حزب الله بالكامل .
نتانياهو حقق نصر معنوي في عمليته هذه يعزز من موقفه الداخلي لكنه ليس بالوضع المريح لشن عملية هجومية شاملة على حزب الله وسوف يستمر في المناورة لجر امريكاء إلى حرب اقليمية شاملة هدفها النهائي ضرب ايران ولا اعتقد ان الولايات المتحدة راغبة بذلك لكن ليس من المستبعد ان تنجر اليها في حال نشبت ولا اعتقد ان ايران ايضاً ترغب في ذلك وسوف يعمل الطرفان على تجنبها قدر الامكان وربما تقدم اسرائيل على توجيه ضربات جوية كبيرة على لبنان ،اما حزب الله اتوقع ان يستعيد عافيته وترتيب صفوفه ومنظومة اتصالاته من جديد ومواصلة الإسناد لغزة من الشمال والاستعداد لحرب شاملة لانه لا يملك اي خيار آخر وعقيدته القتالية الجهادية هي التي تمكنه من الاستمرارية في المواجهة بغض النظر عن الخسائر المادية والبشرية التي يتلقاها.
د.دحان النجار القاهرة ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤م