حرب إسرائيل على غزة- ماذا بعد اغتيال نصر الله!

 

أ د / دحان النجار

لا شك ان إسرائيل حققت اهداف لم يكن يتوقعها المراقبون بهذه السرعة والدقة من خلال اغتيالاتها لقادة حزب الله المتتالية وكان أبرزها واهمها اغتيال السيد حسن نصر الله الامين العام للحزب. بالنسبة لمن يتابع تدحرج الكرة في الضاحية الجنوبية منذ اغتيال ” عقل” وما تلاه من اغتيالات لقادة آخرين بما في ذلك قادة قوات “الرضوان” وتفجير وسائل الاتصالات التابعة للحزب كان من المحتمل اغتيال نصر الله في اي وقت لان هناك اختراق استخباراتي خطير داخل الحزب او داخل حلفائه المقربين.

تسارعت الاغتيالات خلال فترة زمنية قصيرة ومتقاربة وهذا يدل على انها عملية مُعد لها مسبقا وبتخطيط متقن ولا اتوقع ان قادة حزب الله وايران لم يكونوا يتوقعوا اختراقات من هذا القبيل وخاصة انها حصلت داخل ايران نفسها ابتداء من اغتيال علمائها ومرورا باغتيال السيد “هنية” وربما اغتيال الرئيس الإيراني نفسه الذي قضى بتفجير طائرته التي كان يستقلها عند عودته من الحدود الأذربيجانية.
الاحتمال الأكبر ان الاختراقات الاستخباراتية لحزب الله مصدرها الجانب الإيراني الذي يبدو رخوا الى حدا ما امام دقة وكثافة العمليات الاستخباراتية الغربية المتعاونة مع إسرائيل وهي مخابرات لها باع طويل في تسجيل الاختراقات الاستخباراتية مستفيدة من تراكم خبراتها مرورا بالتقنيات الحديثة التي تستخدمها وتتميز بها .
اغتيال السيد حسن نصر الله هو نتيجة لعمل استخباراتي دقيق ترافق بمراقبة ارضية وجويه لحركته الحذرة قادت اليه بدقة متناهية. صحيح ان التحصينات التي كان يستخدمها الحزب لمقراته لم تكن هي الأخرى كافية لحمايته من قنابل صُنعت خصيصا لدك التحصينات على عمق يتراوح بين ٥٠ إلى ٧٠ مترا وهي كفيلة بالوصول اليه وربما صُنعت خصيصا لتحطيم تحصينات حزب الله التي يتراوح عمقها حسب خبراء بين ٣٠ و ٥٠ مترا تحت الارض ولكن الاكثر فعالية في تنفيذ عملية الاغتيال هو الرصد الأرضي والإبلاغ في نفس اللحظة التي وصل بها إلى مقر الاجتماع وهذا يعني ان هناك من بين من يحيط به هو من ابلغ في نفس اللحظة بواسطة تقنية خاصة التقطتها اجهزة الرصد الجوي التي لم تتاخر عن توجيه كما يقال ٨٠ قنبلة خارقة للتحصينات ودمرت مربعا كاملا من المباني ووصلت إلى المجتمعين ونفذت المهمة.
اسرائيل تدعي بانها قد ألحقت ضررا كبيرا بقدرات حزب الله الصاروخية وبالذات بعيدة ومتوسطة المدى وانها سوف تواصل عملياتها ضده حتى تخرجه عن الجاهزية وتملي شروطها في فرض سلام تصيغ بنوده هي هذا إذا كان هدفها هو ضرب حزب الله وتامين حدودها الشمالية فقط وانا اشك بذلك لان هدفها الاخير هو ضرب قدرات ايران نفسها وبالتالي ترتيب شرق اوسط جديد تحت قيادتها كما صرح بذلك نتانياهو يوم امس الاحد وهو يبدو بكامل نشوته بانتصاراته المتتالية في اغتيال قادة حزب الله .
صحيح قد تكون قدرات حزب الله الصاروخية قد تلقت بعض الضربات المؤلمة وخاصة ان تم استخدام قنابل اختراقية تصل الى مستودعاته تحت الارض وهذا لن يتم إلا إذا كانت المستودعات قد تم رصدها بعمل استخباراتي على الارض شبيه بذلك العمل في رصد قادته والظفر بهم. اكيد بان الحزب بعد تفجير منظومة اتصالاته واغتيال العدد الأكبر من قياداته في الصف الاول والثاني بحاجة إلى التقاط الأنفاس واعادة ترتيب صفوفه مع انه اظهر تماسك عملياتي لا باس به ولم يتوقف عن ضرب اسرائيل حتى في اللحظة التي سمع بها نباء اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله. لا شك بان لدى الحزب مستويات مختلفة من الهياكل القيادية والعملياتية وهذا ما يقود إلى صموده وسوف يصمد لفترة اطول ومن يدري ما إذا كان قادرا على قلب المعادلة وكسب الحرب التي تتحدد في النتيجة النهائية.
لا زال حزب الله يوجه ضربات مؤلمة للداخل الاسرائيلي ولو ان اجهزة الإعلام العالمية لا تتناول ذلك بالتفصيل بل تتجاهلها والدليل على ذلك بان اسرائل نفسها تصرح يوم امس بان هناك مليون شخص من سكانها في الشمال وفي حيفا يهرعون إلى الملاجىء من ضربات حزب الله وهذا رقم مهول لم يسبق وان صرحت به من قبل .
اصبح من المحتمل بشكل كبير ان اسرائيل قد تقدم على توغل ولو محدود في جنوب لبنان بعد ان قامت بتدمير القرى اللبنانية الحدودية تدميرا شاملا وكما تعتقد بانها بذلك أحرمت المقاتلين من التخفي في أوساط الاحياء والمدنيين وانهم ان تحركوا في بيئة مكشوفه لمواجهة زحف قواتها سيكونون صيدا سهلا وانهم لن يستطيعوا الصمود والمواجهة وعليه فان الظروف مهيئة لتدخل بري محدود او موسع. لكن الحروب مع اي تشكيل من تشكيلات المقاومة قد تنهك اي جيش نظامي حتى وان سيطر على الارض مؤقتا لا يمكنه الصمود فيها واسرائيل قد جربت ذلك في لبنان سابقا واضطرت إلى المغادرة والانسحاب من طرف واحد وبشكل مخزي ومهين لجيشها وعملائها المحليين بما كان يسمى دولة ” حداد” في الجنوب اللبناني.
من المتوقع ان يمتص حزب الله الضربات الموجهة اليه ويعود إلى اخذ زمام المبادرة في الهجوم ومن المتوقع ايضا ان تزداد شراسة الضربات الاسرائيلية على قواته وعلى حاضنته الشعبية وهنا ننتظر تطورات الاحداث في الايام القادمة وعلى ضوئها تتضح الصورة اكثر فأكثر . نتانياهو في وضع مريح جدا هذه الايام على ضؤ الانتصارات التي حققها في اغتيال قيادة حزب الله وتناسى العالم والداخل الإسرائيلي ماساة غزة والاسرى والمعتقلين واعتقد انه سوف يستمر في التصعيد هاربا إلى الامام من استحقاقاته الداخلية واصبح الان يهدف إلى توسيع نطاق المعركة باشراك ايران فيها بشكل مباشر وبالتالي توجيه ضربه لها تشترك فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي يبدو انها الان غير راغبة في ذلك لانها تعيش اجواء انتخابية ولكنها لن نستطيع لجم نتانياهو وقوى الضغط اليهودية المؤيدة له داخل الدولة والمجتمع الأمريكي وان نجحت في لجمه ولو مؤقتا فسيكون ذلك انتصاراً للديبلوماسية وتجنيب المنطقة والعالم كارثة قد تكون آثارها السياسية والاقتصادية مؤلمة للمنطقة والعالم.
د.دحان النجار القاهرة ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى