البيئة في الشرق الأوسط بين التحديات والتحولات: الدور الأمريكي في دعم الحلول المستدامة

نيويورك – بقلم – هيثم جسار
في خضم الصراعات والنزاعات السياسية التي تعصف بالشرق الأوسط، برزت خلال السنوات الأخيرة أزمة أخرى لا تقل خطورة: التحديات البيئية المتصاعدة. من ندرة المياه، إلى التصحر، وتدهور التنوع البيولوجي، وصولًا إلى التغيرات المناخية التي بدأت تُهدد المدن الساحلية والجغرافيا الزراعية، يواجه الشرق الأوسط أزمة بيئية باتت تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الإنساني والاقتصادي.
ولأن البيئة لا تعترف بالحدود الجغرافية أو السياسية، فإن التعامل مع هذه التحديات يتطلب شراكة دولية حقيقية، تضع الاستدامة في قلب السياسات الإقليمية والدولية. وهنا، يبرز الدور الأمريكي كعامل حاسم في دعم الجهود البيئية والتنموية في الشرق الأوسط، من خلال التمويل، والتكنولوجيا، والدبلوماسية البيئية.
أزمة متعددة الأبعاد:
المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم جفافًا، ومع ذلك فإن استهلاك المياه فيها من أعلى المعدلات عالميًا، ناهيك عن الاعتماد المفرط على الموارد غير المتجددة، وغياب سياسات بيئية طويلة الأمد في بعض الدول. كما أن التغير المناخي يفاقم من وتيرة الكوارث الطبيعية، مثل العواصف الرملية، وارتفاع درجات الحرارة، والفيضانات المفاجئة، ما ينعكس سلبًا على الأمن الغذائي والصحي.
وفي الدول التي تشهد صراعات مسلحة، مثل اليمن وسوريا والعراق، ازداد تدهور البيئة بسبب القصف، وتدمير البنى التحتية، وتسرب المواد السامة، ما حوّل بعض المناطق إلى بيئات ملوثة وغير قابلة للحياة.
أمريكا كشريك استراتيجي في الاستدامة:
لدى الولايات المتحدة سجل طويل في دعم المشاريع البيئية حول العالم، خاصة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، ومن خلال مبادرات تهدف إلى بناء قدرات الحكومات والمجتمعات المحلية في مواجهة التحديات البيئية. وفي الشرق الأوسط تحديدًا، شاركت واشنطن في تمويل برامج لإدارة المياه، وتحسين الزراعة الذكية مناخيًا، وبناء محطات طاقة شمسية في بلدان مثل الأردن ومصر والمغرب.
لكن التحديات الراهنة تتطلب توسيع هذا الدور، ودمجه ضمن رؤية استراتيجية شاملة تجمع بين الأمن البيئي والأمن السياسي، لأن التدهور البيئي يؤدي في كثير من الأحيان إلى اضطرابات اجتماعية وهجرات داخلية، تُسهم في زعزعة استقرار الدول.
التحول من الدعم إلى الشراكة:
لم يعد كافيًا أن تقدم أمريكا التمويل والمساعدة التقنية فقط، بل هناك حاجة اليوم إلى شراكة استراتيجية بيئية مع دول الشرق الأوسط، تتضمن:
• نقل التكنولوجيا النظيفة.
• تمكين الشباب من الابتكار في مجالات الطاقة المتجددة.
• تشجيع الاستثمارات الخضراء.
• دعم السياسات الحكومية لإدارة الموارد بشكل مستدام.
إن التحديات البيئية في الشرق الأوسط لم تعد قضية إنسانية فقط، بل أصبحت ملفًا سياسيًا واستراتيجيًا بامتياز. والولايات المتحدة، بحكم قوتها الاقتصادية والتقنية والدبلوماسية، مدعوة للعب دور محوري في دعم حلول مستدامة تُعيد التوازن بين الإنسان والطبيعة، وتُعزز من استقرار المنطقة على المدى الطويل. فحماية البيئة في الشرق الأوسط، لم تعد ترفًا، بل ضرورة أمنية وجيوسياسية لا يمكن تجاهلها.