سحب القرار؛ الحل الأمثل لانحراف قرار تعيين النائب العام هبة علي زين عيدروس

✍️ اكرم الشاطري

باحثة دكتوراه في كلية الحقوق – جامعة عين شمس / ج.م.ع 

يتابع الكثير من الناس بمختلف فئاتهم وتخصصاتهم مجريات الأحداث وتداعياتها إثر صدور قرار رئيس الجمهورية مؤخراً، رقم (4) لعام 2021 بتعيين الأخ/ د. أحمد أحمد صالح الموساي (وكيل وزارة الداخلية – سابقاً) نائباً عاماً، خلفاً للأخ القاضي / د. علي أحمد ناصر الأعوش. وبين مؤيدٍ ومعارض لقرار الرئيس الذي جاء بالمخالفة للقانون كون د. الموساي لا ينتمي أساساً للسلطة القضائية. إلا أن هذا القرار ليس هو القرار الوحيد الذي يتم فيه مخالفة مبدأ المشروعية وسيادة القانون في التعيينات الإدارية على مستوى مؤسسات الدولة بشكل عام، والهدف من هذا المقال هو أن نؤسس لفكرة قانونية معمول بها في كل دول العالم ألا وهي سحب السلطة الإدارية لقراراتها غير المشروعة احتراماً لمبدأ سيادة القانون. 

  يتطلع المواطن اليوم لإستعادة النظام والقانون في الدولة التي تعاني الهشاشة منذ اندلاع الحرب في عام 2015. ومن أجل استعادة الدولة والنهوض بمؤسساتها لابد أن تتغير نظرة السلطة إلى المؤسسات وموظفيها وتراعي القوانين المنظمة للعمل فيها، وفي المقدمة القرارات الصادرة عنها التي يجب أن يكون الهدف منها تحقيق المصلحة العامة؛ فالسلطات التي تتمتع بها الإدارة ليست امتيازات خاصة أو حقوق شخصية تخولها اصدار قرارات دون أي اعتبار قانوني، بل هي اختصاصات تمكّنها من القيام بالمهام المنوطة بها للحفاظ على النظام العام وضمان فاعلية العمل وتحقيق المصلحة العامة في إطار أحكام القانون ونصوصه. 

 قد تكون نظرية سحب القرار الإداري ” إلغاء القرار الإداري بأثر رجعي ” غير معمولاً بها في اليمن، وبالتالي لا نجدها راسخة بشكل فاعل لدى سلطة إدارة مؤسسات الدولة. إلا أن هذا لا يعني أن نستمر في إغفال العمل بها، بل على العكس هي فكرة قانونية تُجنب السلطة حرج مخالفة القانون والمساس بمبدأ المشروعية للقرارات الإدارية، وتؤسس للثقة بين سلطة الإدارة وموظفيها عندما يجدونها لا تتردد في تصحيح اخطائها خلال مدة لاتتجاوز الـ (60) يوماً؛ وهي المدة القانونية المتفق عليها فقهاً وقضاءً. فعلى سبيل المثال: أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قراراً برقم (383) لسنة 2014 قضى بسحب قرار رقم (305) لسنة 2014 المتضمن تعيين معاون نيابة إدارية وقرار آخر برقم (177) لعام 2016. فالقرارات التي تقضي بسحب قراراتٍ أخرى مخالفة للقانون ليست عيباً ولا جريمة ، بل هي احترام لسيادة القانون وإجراءٌ يُظهر أن من أصدره على قدر عالٍ من المسؤولية والالتزام باحترام القانون والحفاظ على المصلحة العامة في هذه أو تلك المؤسسة، وأن الاستمرار في الخطأ الجسيم سيكون بمثابة حجر فاسد في بناء المؤسسة قد يتسبب مستقبلاً بانهيارها إن لم يتم إزالته واستبداله بحجر سليم؛ لأن قرار السلطة الإدارية بسحب أي قرار لها – غير مشروع – سيجرده من قوته القانونية وإلزاميته ويصبح كأن لم يكن موجوداً. 

 كما أنه من الطبيعي أن نتفق ونختلف فيما بيننا بالآراء والتوجهات السياسية، لكن لا يمكن أن نختلف في وجوب احترام مبدأ المشروعية وإلزامية أحكام القانون على الجميع، عدا بعض الاستثناءات التي تقتضي المخالفة للأصل بنصٍ قانونيٍ صريح. وبهذا نكون جميعنا قد اتفقنا على أن نجعل سيادة القانون أسمى من أي صراعٍ سياسي ومُقدماً عليه؛ عندما لا يؤدي هذا الصراع إلى حماية مؤسسات الدولة وحقوق أفرادها وضمان فاعلية نشاط هذه المؤسسات.                                                                                                                    قد لا تروق البعض فكرة تطبيق نظرية سحب القرارات الإدارية – وقرار فخامة الرئيس أنموذج – لاعتبارات غير قانونية، غير أن هذه النظرية قديمة ومعمول بها في كافة الدول وهي بمثابة فرصة منحها القانون لسلطة الإدارة لمراجعة إجرائها وتصحيح مخالفتها ذاتياً قبل أن يتحول الأمر إلى طعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري.  

 ومن هنا أوجه رسالتي لفخامة الرئيس / عبدربه منصور هادي وأدعوه إلى أن يضع حجر الأساس للعمل بنظرية سحب القرار الإداري من السلطة التي أصدرته من خلال إصدار قرار بسحب القرار رقم (4) لعام 2021، وليكن هو النموذج الواجب اتباعه من قبل كافة السلطات الإدارية في مؤسسات الدولة بعد ذلك. ويمكن لفخامتكم أيضاً اصدار قرار آخر بتعيين الأخ / د. أحمد الموساي في منصب آخر في إطار عمله وما يسمح به القانون. ومؤكد أن في حالة استجابتكم للدعوة فإن هذا القرار سيكون ذا أثر إيجابي كبير لدى رجال القانون بمختلف تخصصاتهم وأعمالهم وكذلك عامة الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى